يَمِينُ اللهِ، وَحُكْمُ اللَّفْظِ الْمُقَيَّدِ يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّفْظِ الْمُطْلَقِ (١).
ثُمَّ قَالَ: "فَمَن صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكأنَّمَا صَافَحَ اللهَ وَقَبَّلَ يَمِينَهُ" وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُشَبَّهَ غَيْرُ الْمُشَبَّهِ بِهِ، وَهَذَا صَرِيخ فِي أَنَّ الْمُصَافِحَ لَمْ يُصَافِحْ يَمِينَ اللهِ أَصْلًا، وَلَكِنْ شُبِّهَ بِمَن يُصَافِحُ اللهَ، فَأَوَّلُ الْحَدِيثِ وَآخِرُهُ يُبَيِّنُ أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ مِن صِفَاتِ اللهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ كُلِّ عَاقِلٍ، وَلَكِنْ يُبَيِّنُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى كَمَا جَعَلَ لِلنَّاسِ بَيْتًا يَطُوفُونَ بِهِ: جَعَلَ لَهُم مَا يَسْتَلِمُونَهُ؛ لِيَكُونَ ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ تَقْبِيلِ يَدِ الْعُظَمَاءِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ تَقْرِيبٌ لِلْمُقَبِّلِ وَتَكْرِيمٌ لَهُ، كَمَا جَرَت الْعَادَةُ.
وَأمَّا الْحَدِيثُ الثَّانِي: فَقَوْلُهُ: "مِن الْيَمَنِ" يُبَيِّن مَقْصُودَ الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلْيَمَنِ اخْتِصَاصٌ بصِفَاتِ اللهِ تَعَالَى حَتَى يُظَنَّ ذَلِكَ، وَلَكنْ مِنْهَا جَاءَ الَّذِينَ يُحِبُّهُم وُيحِبُّونَهُ، الَّذِينَ قَالَ فِيهِمْ: {مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} المائدة: ٥٤.
وَهَؤُلَاءِ هُم الَّذِينَ قَاتَلُوا أَهْلَ الرِّدَّةِ، وَفَتَحُوا الْأمْصَارَ، فَبِهِم نَفَّسَ الرَّحْمَنُ عَن الْمُؤمِنينَ الْكُرُبَاتِ، وَمَن خَصَّصَ ذَلِكَ بِأوَيْسِ فَقَد أَبْعَدَ. ٦/ ٣٩٧ - ٣٩٨
* * *
(خطأ تَأْوِيل الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنُّزُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ)
٤٥٨ - تَأوِيلُ الْمَجِيءِ وَالْإِتْيَانِ وَالنزُولِ وَنَحْوِ ذَلِكَ بِمَعْنَى الْقَصْدِ وَالْإِرَادَةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ: فوَ قَوْلُ طَائِفَةٍ، وَتَأوَّلُوا ذَلِكَ فِي قَوْله تَعَالَى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ} فصلت: ١١، وَجَعَلَ ابْنُ الزَّاغُونِي وَغَيْرُهُ ذَلِكَ هُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَن أَحْمَد.
(١) قال الشيخ: فَتَقْيِيدُهُ بِالْأرْضِ يَدُلُّ عَلَى أنَّهُ لَيْسَ هُوَ يَدُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، فَلَا يَكُونُ الْيَدَ الْحَقِيقِيَّةَ، وَقَوْلُهُ: "فَمَن صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأنَّمَا صَافَحَ اللهَ وَقَيْلَ يَمِينَهُ": صَرِيحٌ فِي أَن مُصَافِحَهُ وَمُقَبِّلَهُ لَيْسَ مُصَافِحًا للهِ وَلَا مُقَبِّلًا لِيَمِينِهِ؛ لِأنَّ الْمُشَبَّهَ لَيْسَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ، وَقَد أتَى بِقَوْلِهِ: "فَكَأَنَّمَا" وَهِيَ صَرِيحَة فِي التَّشْبِيهِ. اهـ. (٦/ ٥٨٠ - ٥٨١)