عَبْدِي، فَإِذَا قَالَ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} قَالَ: هَدَا بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي، ولعَبْدِي مَا سَأَل، فَإذَا قَالَ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ (٧)} قَالَ: هَذَا لِعَبْدِي وَلعَبْدِي مَا سَأَلَ".
فَهَذَا يَقُولُهُ -سبحانه وتعالي- لِكُلِّ مُصَلٍّ قَرَأَ الْفَاتِحَةَ، فَلَو صَلَّى الرَّجُلُ مَا صَلَّى مِن الرَّكَعَاتِ قِيلَ لَهُ ذَلِكَ، وَفِي تِلْكَ السَّاعَةِ يُصَلِّي مَن يَقْرَأُ الْفَاتِحَةَ مَن لَا يُحْصِي عَدَدَة إلَّا اللهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُم يَقُولُ اللهُ لَهُ كَمَا يَقُولُ لِهَذَا، كَمَا يُحَاسِبُهُم كَذَلِكَ، فَيَقُولُ لِكلِّ وَاحِدٍ مَا يَقُولُ لَهُ مِن الْقَوْلِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكَذَلِكَ سَمْعُهُ لِكَلَامِهِمْ، يَسْمَع كَلَامَهُم كُلَّهُ مَعَ اخْتِلَافِ لُغَاتِهِمْ، وَتَفَنُّنِ حَاجَاتِهِمْ، يَسْمَعُ دعَاءَهُم سَمْعَ إجَابَةٍ، ويسْمَعُ كُلَّ مَا يَقولُونَهُ سَمْعَ عِلْمٍ وَإِحَاطَةٍ، لَا يَشْغَلُهُ سَمْعٌ عَن سَمْعٍ، وَلَا تُغَلِّطُهُ الْمَسَائِلُ، وَلَا يَتَبَرَّمُ بِإِلْحَاحِ الْمُلِحِّينَ؛ فَاِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي خَلَقَ هَذَا كُلَّهُ، وَهُوَ الَّذِي يَرْزُقُ هَذَا كُلَّهُ، وَهُوَ الَّذِي يُوَصِّلُ الْغِذَاءَ إلَى كُلِّ جُزْءٍ مِن الْبَدَنِ عَلَى مِقْدَارِهِ وَصِفَتِهِ الْمُنَاسِبَةِ لَهُ، وَكَذَلِكَ مِن الزَّرْعِ.
وَكرْسِيُّهُ قَد وَسِعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَلَا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا، فَإِذَا كَانَ لَا يَؤُودُهُ خَلْقُهُ وَرِزْقُهُ عَلَى هَذِهِ التَّفَاصِيلِ: فَكيْفَ يَؤُودُهُ الْعِلْمُ بِذَلِكَ؟ أَو سَمْعُ كَلَامِهِمْ؟ أَو رُؤَيةُ أَفْعَالِهِمْ؟ أَو إجَابَةُ دُعَائِهِمْ؟ -سبحانه وتعالي- عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (٦٧)} الزمر: ٦٧. ٥/ ٤٧٨ - ٤٨٠
* * *
(الْمَلَكُ والشَّيْطَان يعلمان مَا فِي قَلْبِ بْنِ آدَمَ)
٤٦٤ - الْمَلَكُ يَعْلَمُ مَا يَهُمُّ بِهِ الْعَبْدُ مِن حَسَنَةٍ وَسَيِّئَةٍ، وَلَيْسَ ذَلِكَ مِن عِلْمِهِمْ بِالْغَيْبِ الَّذِي اُخْتُصَّ اللهُ بِهِ .. بَل مَا فِي قَلْبِ ابْنِ آدمَ يَعْلَمُونَهُ؛ بَل وَيُبْصِرُونَهُ ويسْمَعُونَ وَسْوَسَةَ نَفْسِهِ؛ بَل الشَّيْطَانُ يَلْتَقِمُ قَلْبَهُ: