أَمَّا النُّزُولُ الَّذِي لَا يَكُونُ مِن جِنْسِ نُزُولِ أَجْسَامِ الْعِبَادِ: فَهَذَا لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ لِخَلْق كَثِيرٍ، وَيَكُونُ قَدْرُهُ لِبَعْضِ النَّاسِ أَكْثَرَ؛ بَل لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَقْرُبَ إلَى خَلْقٍ مِن عِبَادِهِ دُونَ بَعْضٍ، فَيَقْرُبُ إلَى هَذَا الَّذِي دَعَاهُ دُونَ هَذَا الَّذِي لَمْ يَدْعُهُ.
وَجَمِيعُ مَا وَصَفَ بِهِ الرَّبُّ - عز وجل - نَفْسَهُ مِن الْقُرْبِ: فَلَيْسَ فِيهِ مَا هُوَ عَامٌّ لِجَمِيعِ الْمَخْلُوقَاتِ كَمَا فِي الْمَعِيَّةِ؛ فَإِنَّ الْمَعِيَّةَ وَصَفَ نَفْسَهُ فِيهَا بِعُمُومٍ وَخُصُوصٍ.
وَأَمَّا قُرْبُهُ مِمَّا يَقْرُبُ مِنْهُ: فَهُوَ خَاصٌّ لِمَن يَقْرُبُ مِنْهُ؛ كَالدَّاعِي، وَالْعَابِدِ، وَكَقُرْبِهِ عَشِيَّةَ عَرَفَةَ، وَدُنُوِّهِ إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا لِأَجْلِ الْحُجَّاجِ، وَإِن كَانَت تِلْكَ الْعَشِيَّةُ بِعَرَفَةَ قَد تَكُونُ وَسَطَ النَّهَارِ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ، وَتَكُونُ لَيْلًا فِي بَعْضِ الْبِلَادِ؛ فَإِنَّ تِلْكَ الْبِلَادَ لَمْ يَدْنُ إلَيْهَا وَلَا إلَى سَمَائِهَا الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا دَنَا إلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا الَّتِي عَلَى الْحُجَّاجِ، وَكَذَلِكَ نُزُولُهُ بِاللَّيْلِ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّ حِسَابَهُ لِعِبَادِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُحَاسِبُهُم كُلَّهُم فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، وَكل مِنْهُم يَخْلُو بِهِ كَمَا يَخْلُو الرَّجُلُ بِالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، وَذَلِكَ الْمُحَاسَبُ لَا يَرَى أَنَّهُ يُحَاسَبُ غَيْرُهُ.
قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: كَيْفَ يُحَاسِبُ اللهُ الْعِبَادَ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ؟ قَالَ: كَمَا يَرْزُقُهُم فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَكَذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي "صَحِيحِ مُسْلِمٍ" (١) عَن أَبِي هُرَيْرَةَ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: قَالَ اللهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ، وَبعَبْدِي مَا سَأَل، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٢)} الفاتحة: ٢، قَالَ اللهُ تَعَالَى: حَمِدَنِي عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (٣)}، قَالَ اللهُ تَعَالَى: أَثْنَى عَلَيَّ عَبْدِي، وَإِذَا قَالَ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ (٤)}، قَالَ: مَجَّدَنِي
(١) (٣٩٥).