فَمَن عَبَدَهُ وَعَبَدَ مَعَهُ إلَهًا آخَرَ: لَمْ يَكُن مُسْلِمًا.
وَمَن لَمْ يَعْبُدْهُ بَل اسْتَكْبَرَ عَن عِبَادَتِهِ: لَمْ يَكُن مُسْلِمًا.
وَالْإِسْلَامُ: هُوَ الِاسْتِسْلَامُ للهِ، وَهُوَ الْخُضُوعُ لَهُ وَالْعُبُودِيَّةُ لَهُ، هَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ: أَسْلَمَ الرَّجُلُ إذَا اسْتَسْلَمَ.
فَالْإِسْلَامُ فِي الْأَصْلِ: مِن بَابِ الْعَمَلِ: عَمَلُ الْقَلْبِ وَالْجَوَارحِ.
وَأَمَّا الْإِيمَانُ: فَأَصْلُهُ تَصْدِيقٌ وَإِقْرَارٌ وَمَعْرِفَة، فَهُوَ مِن بَابِ قَوْلِ الْقَلْبِ الْمُتضَمِّنِ عَمَلَ الْقَلْبِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ التَّصْدِيقُ، وَالْعَمَلُ تَابعٌ لَهُ، فَلِهَذَا فَسَّرَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- الْإِيمَانَ بِإِيمَانِ الْقَلْبِ وَبِخضُوعِهِ، وَهُوَ الْإِيمَانُ باللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبهِ وَرُسُلِهِ.
وَفَسَّرَ الْإِسْلَامَ بِاسْتِسْلَامٍ مَخْصُوصٍ هُوَ الْمَبَانِي الْخَمْسُ.
وَهَكَذَا فِي سَائِرِ كَلَامِهِ -صلى الله عليه وسلم- يُفَسِّرُ الْإِيمَانَ بِذَلِكَ النَّوْعِ، ويُفَسِّرُ الْإِسْلَامَ بِهَذَا.
وَذَلِكَ النَّوْعُ أَعْلَى؛ وَلهَذَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الإِسْلَامُ عَلَانِيَةٌ وَالإِيمَانُ فِي الْقَلْبِ" (١).
فَفِي حَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو وَأَبِي هُرَيْرَةَ جَمِيعًا أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الْمُسْلِمُ مَن سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ، وَالْمُؤْمِنُ مَن أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ" (٢)، فَفَسَّرَ الْمُسْلِمَ بِأَمْر ظَاهِرٍ، وَهُوَ سَلَامَةُ النَّاسِ مِنْهُ، وَفَسَّرَ الْمُؤْمِنَ بِأَمْر بَاطِنٍ، وَهُوَ أَنْ يَأْمَنُوهُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَهَذِهِ الصِّفَةُ أَعْلَى مِن تِلْكَ؛ فَإِنَّ مَن كَانَ مَأْمُونًا سَلِمَ النَّاسُ مِنْهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَن سَلِمُوا مِنْهُ يَكُونُ مَأمُونًا، فَقَد يَتْرُكُ أَذَاهُم وَهُم لَا يَأْمَنُونَ إلَيْهِ؛ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ تَرَكَ أَذَاهُم لِرَغْبَةٍ وَرَهْبَةٍ، لَا لِإِيمَانٍ فِي قَلْبِهِ.
(١) تقدم تخريجه.
(٢) رواه الترمذي (٢٦٢٧)، وقال: حسن صحيح.