وَفِي حَدِيثِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَن عَمْرِو بْنِ عبسة أَنَ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-: مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: "إطْعَامُ الطعَامِ، وَلينُ الْكَلَامِ"، قَالَ: فَمَا الإِيمَانُ؟ قَالَ: السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ" (١)، فَإِطْعَامِ الطَّعَامِ عَمَلٌ ظَاهِرٌ يَفْعَلُهُ الْإِنْسَانُ لِمَقَاصِدَ مُتَعَدِّدَةٍ، وَكَذَلِكَ لِينُ الْكَلَامِ، وَأَمَّا السَّمَاحَةُ وَالصَّبْرُ فَخُلُقَانِ فِي النفْسِ. ٧/ ٢٦٣ - ٢٦٤
وَأَهْلُ الْبِدَعِ إنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِم الدَّاخِلُ: لِأَنَّهُم أَعْرَضُوا عَن هَذِهِ الطَّرِيقِ، وَصَارُوا يَبْنُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ عَلَى مُقَدِّمَاتٍ يَظُنُّونَ صِحَّتَهَا:
- إمَّا فِي دَلَالَةِ الْأَلْفَاظِ.
- وَإِمَّا فِي الْمَعَانِي الْمَعْقُولَةِ.
وَلَا يَتَأَمَّلُونَ بَيَانَ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَكُلُّ مُقَدِّمَاتٍ تُخَالِفُ بَيَانَ اللهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهَا تَكُونُ ضَلَالًا، وَلهَذَا تَكَلَّمَ أَحْمَد فِي رِسَالَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ فِي الرَّد عَلَى مَن يَتَمَسَّكُ بِمَا يَظْهَرُ لَهُ مِن الْقُرْآنِ مِن غَيْرِ اسْتِدْلَالٍ بِبَيَانِ الرَّسُولِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ.
مِثَالُ ذَلِكَ: أَنَّ الْمُرْجِئَةَ لَمَّا عَدَلُوا عَن مَعْرِفَةِ كَلَامِ اللهِ وَرَسُولِهِ أَخَذُوا يَتَكَلَّمُونَ فِي مُسَمَّى الْإِيمَانِ وَالْإِسْلَامِ وَغَيْرِهِمَا بِطُرُق ابْتَدَعُوهَا؛ مِثْل أَنْ يَقُولُوا: الْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ هُوَ التَّصْدِيقُ، وَالرَّسُولُ إنَّمَا خَاطَبَ النَّاسَ بِلُغَةِ الْعَرَبِ لَمْ يُغَيِّرْهَا، فَيَكُونُ مُرَادُهُ بِالْإِيمَانِ التَّصْدِيقَ، ثُمَّ قَالُوا: وَالتَّصْدِيقُ إنَّمَا يَكُونُ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ، أَو بِالْقَلْبِ؛ فَالْأَعْمَالُ لَيْسَتْ مِن الْإِيمَانِ.
ثُمَّ عُمْدَتهُم فِي أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ التَّصْدِيقُ قَوْلُهُ: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} يوسف: ١٧؛ أَيْ: بِمُصَدِّقٍ لنَا.
فَيُقَالُ لَهُمْ: هَاتَانِ الْمُقَدِّمَتَانِ، كِلَاهُمَا مَمْنُوعَةٌ:
المقدمة الأولى: لَيْسَ هُوَ مُرَادِفًا لَهُ (٢) وَذَلِكَ مِن وُجُوهٍ:
(١) رواه أحمد (١٩٤٣٥)، بلفظ: "طيب الكلام، وإطعام الطعام … ".
(٢) أي: ليس الْإِيمَانُ مرادفًا للإسلام.