أَحَدُهَا: أَنْ يُقَالَ لِلْمُخْبِرِ إذَا صَدَّقْته: صَدَّقَهُ، وَلَا يُقَالُ: آمَنَهُ، وَآمَنَ بِهِ؛ بَل يُقَالُ: آمَنَ لَهُ، كَمَا قَالَ: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ} العنكبوت: ٢٦.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَد يُقَالُ: مَا أَنْتَ بِمُصَدِّق لنَا.
قِيلَ: اللَّامُ تَدْخُلُ عَلَى مَا يَتَعَدَّى بِنَفْسِهِ إذَا ضَعُفَ عَمَلُهُ، إمَّا بِتَأخِيرِهِ، أَو بِكَوْنِهِ اسْمَ فَاعِلٍ، أَو مَصْدَرًا، أَو بِاجْتِمَاعِهِمَا، فَيُقَالُ: فُلَانٌ يَعْبُدُ اللهَ وَيَخَافُهُ وَيَتَّقِيهِ، ثُمَّ إذَا ذُكرَ بِاسْمِ الْفَاعِلِ قِيلَ: هُوَ عَابِدٌ لِرَبِّهِ، مُتَّقٍ لِرّبِّهِ، خَائِفٌ لِرَبِّهِ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ: فُلَانٌ يَرْهَبُ اللهَ، ثُمَّ تَقُولُ: هُوَ رَاهِبٌ لِرِّبهِ، وَإِذَا ذَكَرْت الْفِعْلَ وَأَخَّرْته تُقَوِّيهِ بِاللَّامِ كَقَوْلِهِ: {وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ} الأعراف: ١٥٤.
وَهَذَا بِخِلَافِ لَفْظِ الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّهُ تَعَدَّى إلَى الضَّمِيرِ بِاللَّامِ دَائِمًا، لَا يُقَالُ: آمَنْته قَطُّ، وَإِنَّمَا يُقَالُ: آمَنْت لَهُ، كَمَا يُقَالُ: أَقْرَرْت لَهُ، فَكَانَ تَفْسِيرُهُ بِلَفْظِ الْإِقْرَارِ أَقْرَبَ مِن تَفْسِيرِهِ بِلَفْظِ التَّصْدِيقِ، مَعَ أَنَّ بَيْنَهُمَا فَرْقًا (١).
الثَّانِيْ: أَنَّهُ لَيْسَ مُرَادِفًا لِلَفْظِ التَّصْدِيقِ فِي الْمَعْنَى، فَإِنَّ كُلَّ مُخْبِرٍ عَن مُشَاهَدَةٍ أَو غَيْبٍ يُقَالُ لَهُ فِي اللُّغَةِ: صدَقْت، كَمَا يُقَالُ: كَذَبْت، فَمَن قَالَ: السَّمَاءُ فَوْقَنَا، قِيلَ لَهُ: صَدَقَ، كَمَا يُقَالُ: كَذَبَ.
وَأَمَّا لَفْظُ الْإِيمَانِ: فَلَا يُسْتَعْمَلُ إلَّا فِي الْخَبَرِ عَن غَائِبٍ، لَمْ يُوجَدْ فِي الْكَلَامِ أَنَّ مَن أَخْبَرَ عَن مُشَاهَدَةٍ؛ كَقَوْلِهِ: طَلَعَت الشَّمْسُ وَغَرَبَتْ أَنَّهُ يُقَالُ: آمَنَّاهُ، كَمَا يُقَالُ: صَدَّقْنَاهُ.
فَإِنَّ الْإِيمَانَ مُشْتَقٌّ مِن الْأَمْنِ، فَإِنَّمَا يُسْتَعْمَلُ فِي خَبَرٍ يُؤْتَمَنُ عَلَيْهِ الْمُخْبِرُ كَالْأَمْرِ الْغَائِبِ الَّذِي يُؤتَمَنُ عَلَيْهِ الْمُخْبِرُ.
(١) قال الشيخ في كتابه: الإيمان الأوسط: مَعْلُومٌ أَنَّ الْإِيمَانَ هُوَ الْإقْرَارُ، لَا مُجَرَّدُ التَّصْدِيقِ، وَالْإِقْرَارُ ضُمِّنَ قَوْلَ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ التَّصْدِيقُ، وَعَمَلَ الْقَلْبِ الَّذِي هُوَ الِانْقِيَادُ. اهـ. (٧/ ٦٣٨)