حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ (١٤)} النساء: ١٤، فَهُنَا قَيَّدَ الْمَعْصِيَةَ بِتَعَدِّي خدُودِهِ فَلَمْ يَذْكُرْهَا مُطْلَقَةً.
وَقَالَ: {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى} طه: ١٢١ فَهِيَ مَعْصِيَة خَاصَّة.
وَقَالَ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} آل عمران: ١٥٢، فَاخْبَرَ عَن مَعْصِيَةِ وَاقِعَةٍ مُعَيَّنَةٍ وَهِيَ مَعْصِيَةُ الرُّمَاةِ لِلنَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ} الحجرات: ٧، جَعَلَ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَاتِبَ.
وَقَد قَالَ: {وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ} الممتحنة: ١٢. فَقَيَّدَ الْمَعْصِيَةَ.
وَمِن هَذَا الْبَابِ: ظُلْمُ النَّفْسِ، فَإنَّهُ إذَا أُطْلِقَ تَنَاولَ جَمِيع الذُّنُوبِ؛ فَإِنَّهَا ظُلْمُ الْعَبْدِ نَفْسَهُ، قَالَ تَعَالَى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} هود: ١٠١.
ثُمَّ قَد يُقْرَنُ بِبَعْضِ الذُّنُوبِ؛ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} آل عمران: ١٣٥.
وَأَمَّا لَفْظُ الظُّلْمِ الْمُطْلَقِ: فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكُفْرُ وَسَائِرُ الذُّنُوبِ، قَالَ تَعَالَى: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ (٢٢)} الصافات: ٢٢.
قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَنُظَرَاؤُهُمْ، وَهَذَا ثَابِتٌ عَن عُمَرَ.
وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَأَشْبَاهُهُمْ، وَكَذَلِكَ قَالَ قتادة وَالْكَلْبِيُّ: كُلُّ مَن عَمِلَ بِمِثْل عَمَلِهِمْ، فَأهْلُ الْخَمْرِ مَعَ أَهْلِ الْخَمْرِ، وَأَهْلُ الزنى مَعَ أَهْلِ الزّنَا.
وَزَوْجُ الشَّيءِ نَظِيرُهُ، وَسُمِّيَ الصِّنْفُ زَوْجًا لِتَشَابُهِ أَفْرَادِهِ؛ كَقَوْلِهِ: {أَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ} الشعراء: ٧، وَقَالَ: {وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٤٩)} الذاريات: ٤٩.
قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن الْمُفَسِّرِينَ: صِنْفَيْنِ وَنَوْعَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ: السَّمَاءُ