٤١ .. هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ مُنْقَطِعٌ، وَالْمَعْنَى: آيَتُك أَلَّا تُكَلّمَ النَّاسَ، لَكِنْ تَرْمُزُ لَهُم رَمْزًا كَنَظَائِرِهِ فِي الْقُرْآنِ.
وَقَوْلُهُ: {فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ} إبراهيم: ١٣ هُوَ الرَّمْزُ، وَلَو قُدِّرَ أَنَّ الرَّمْزَ اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ: لَكَانَ قَد دَخَلَ فِي الْكَلَامِ الْمُقَيَّدِ بِالِاسْتِثْنَاءِ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ} الشورى: ٥١، وَلَا يَلْزَمُ مِن ذَلِكَ أَنْ يَدْخُلَ فِي لَفْظِ الْكَلَامِ الْمُطْلَقِ.
وَأَمَّا الْبَيْتُ الَّذِي يُحْكَى عَن الْأَخْطَلِ أَنَّهُ قَالَ:
إنَّ الْكَلَامَ لَفِي الْفُؤَادِ وَإِنَّمَا … جُعِلَ اللّسَانُ عَلَى الْفُؤَادِ دَلِيلًا
فَمِن النَّاسِ مَن أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِن شِعْرِهِ وَقَالُوا: إنَّهُم فَتَّشُوا دَوَاوِينَهُ
فَلَمْ يَجِدُوهُ.
وَلَو احْتَجَّ مُحْتَجٌّ فِي مَسْألَةٍ بِحَدِيث أَخْرَجَاهُ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَن النَّبِيّ -صلى الله عليه وسلم- لَقَالُوا: هَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَيَكُونُ مِمَّا اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى تَصْدِيقِهِ وَتَلَقِّيهِ بِالْقَبُولِ، وَهَذَا الْبَيْتُ لَمْ يَثْبتْ نَقْلُهُ عَن قَائِلِهِ بِإسْنَاد صَحِيحٍ، وَلَا تَلَقَّاهُ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بِالْقَبُولِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ بِهِ أَدْنَى شَيْءٍ مِن اللُّغَةِ فَضْلًا عَن مُسَمَّى الْكَلَامِ؟.
فَعُلِمَ أَنَّ الْأَخْطَلَ لَمْ يُرِدْ بِهَذَا أَنْ يَذْكُرَ مُسَمَّى الْكَلَامِ، وَلَا أَحَد مِن الشُّعَرَاءِ يَقْصِدُ ذَلِكَ الْبَتَّةَ.
وَإِنَّمَا أَرَادَ -إنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ-: مَا فَسَّرَهُ بِهِ الْمُفَسِّرُونَ لِلشِّعْرِ؛ أَيْ: أَصْلُ الْكَلَامِ مِن الْفُؤَادِ، وَهُوَ الْمَعْنَى، فَإِذَا قَالَ الْإِنْسَانُ بِلِسَانِهِ مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ فَلَا تَثِقْ بِهِ.
بِالْجُمْلَةِ: فَمَن احْتَاجَ إلَى أَنْ يَعْرِفَ مُسَمَّى الْكَلَامِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ وَالْفُرْسِ وَالرُّومِ وَالتُّرْكِ وَسَائِرِ أَجْنَاسِ بَنِي آدَمَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ: فَإِنَّهُ مِن أَبْعَدِ النَّاسِ عَن مَعْرِفَةِ طُرُقِ الْعِلْمِ، ثُمَّ هُوَ مِن الْمُوَلَّدِينَ وَلَيْسَ مِن الشُّعَرَاءِ الْقُدَمَاءِ. ٧/ ١٣٢ - ١٣٩
* * *