(نُصُوصُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُصَدِّقِينَ بِالرَّبِّ)
٥١٧ - نُصُوصُ الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْكُفَّارَ كَانُوا فِي الدُّنْيَا مُصَدِّقِينَ بِالرَّبِّ، حَتَّى فِرْعَوْنُ الَّذِي أَظْهَرَ التَّكْذِيبَ كَانَ فِي بَاطِنِهِ مُصَدِّقًا، قَالَ تَعَالَى: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} النمل: ١٤.
وَلَمَّا قَالَ فِرْعَوْنُ: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ} يونس: ٩٠ قَالَ اللهُ: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (٩١)} يونس: ٩١ فَوَصَفَهُ بِالْمَعْصِيَةِ وَلَمْ يَصِفْهُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ فِي الْبَاطِنِ، كَمَا قَالَ: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} المزمل: ١٦، وَكَمَا قَالَ عَن إبْلِيسَ: {فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (٧٣) إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ (٧٤)} ص: ٧٣، ٧٤ فَلَمْ يَصِفْهُ إلَّا بِالْإِبَاءِ وَالِاسْتِكْبَارِ وَمُعَارَضَتِهِ الْأَمْرَ، لَمْ يَصِفْهُ بِعَدَمِ الْعِلْمِ (١). ٧/ ١٥١ - ١٥٢
* * *
(معنى قوله تعالي: {يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ})
٥١٨ - لَفْظُ التِّلَاوَةِ إذَا أُطْلِقَتْ فِي مِثْل قَوْلِهِ: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ} البقرة: ١٢١: تَنَاوَلَت الْعَمَلَ بِهِ، كَمَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ؛ مِثْل ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٍ وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ: يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، فَيُحِلُّونَ حَلَالَهُ وَيُحَرِّمُونَ حَرَامَهُ، وَيَعْمَلُونَ بِمُحْكَمِهِ وَيُؤمِنُونَ بِمُتَشَابِهِهِ.
وَقِيلَ: هُوَ مِن التِّلَاوَةِ بِمَعْنَى الِاتِّبَاعِ؛ كَقَوْلِهِ: {وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا (٢)} الشمس: ٢ وَهَذَا يَدْخُلُ فِيهِ مَن لَمْ يَقْرَأهُ.
(١) فهذا دليل على أمرين:
الأول: أنَّ الإيمان ليس هو مجرد التصديق، ففرعون وإبليس كانا مُصدقين في الباطن، ولكنهما وأمثالهما عصوا واستكبروا، فلم ينفعهم التصديق.
الثاني: أن الله تعالى لا يُعذب أحدًا حتى يقيم الحجة عليه، فلا يُؤاخذ أحدًا قبل علمه.