وَأَمَّا عَلَى جَوَابِهِ الْآخَرِ الَّذِي لَمْ يَخْتَرْ فِيهِ قَوْلَ مَن قَالَ: الْإِسْلَامُ الْكَلِمَةُ فَيُسْتَثْنَى فِي الْإِسْلَامِ كَمَا يُسْتَثْنَى فِي الْإِيمَانِ؛ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجْزِمُ بِأَنَّهُ قَد فَعَلَ كُلَّ مَا أُمِرَ بِهِ مِن الْإِسْلَامِ.
وَإِذَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُسْلِمُ مَن سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِن لِسَانِهِ وَيَدِهِ" (١)
و "بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ" (٢): فَجَزْمُهُ بِأَنَّهُ فعَل الْخَمْسَ بِلَا نَقْصٍ كَمَا أُمِرَ كَجَزْمِهِ بِإِيمَانِهِ، فَقَد قَالَ تَعَالَى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} البقرة: ٢٠٨؛ أَيْ: الْإِسْلَامِ كَافَةً؛ أَيْ: فِي جَمِيعِ شَرَائِعِ الْإِسْلَامِ.
وَتَعْلِيلُ أَحْمَد وَغَيْرِهِ مِن السَّلَفِ مَا ذَكَرُوهُ فِي اسْمِ الْإِيمَانِ يَجِيءُ فِي اسْمِ الْإِسْلَامِ، فَإِذَا أُرِيدَ بِالْإِسْلَامِ الْكَلِمَةُ فَلَا اسْتِثْنَاءَ فِيهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد وَغَيْرُهُ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ مَن فعَل الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَةَ كُلّهَا فَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فِي الْإِيمَانِ. ٧/ ٤١٤ - ٤١٥
* * *
(الِاسْم الْوَاحِد ينْفَى وَيُثْبَتُ بِحَسَبِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ)
٥٥٦ - جِمَاعُ الْأَمْرِ: أَنَّ الِاسْمَ الْوَاحِدَ يُنْفَى وَيُثْبَتُ بِحَسَبِ الْأَحْكَامِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِهِ، فَلَا يَجِبُ إذَا أُثْبِتَ أَو نُفِيَ فِي حُكْم أَنْ يَكُونَ كَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَهَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَسَائِرِ الْأُمَمِ؛ لأنَّ الْمَعْنَى مَفْهُومٌ.
مِثَالُ ذَلِكَ: الْمُنَافِقُونَ قَد يُجْعَلُونَ مِن الْمُؤْمِنِينَ فِي مَوْضِعٍ، وَفِي مَوْضِعٍ آخَرَ يُقَالُ: مَا هُم مِنْهُمْ.
قَالَ اللهُ تَعَالَى: {قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا (١٨) أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى
(١) رواه البخاري (١٠)، ومسلم (٤١).
(٢) رواه البخاري (٨)، ومسلم (١٦).