تَأْوِيلِ أَحَادِيثِ الْوَعِيدِ: عَن سُفْيَانَ، وَأَحْمَد بْنِ حَنْبَلٍ -رضي الله عنهم- وَجَمَاعَةٍ كَثِيرَةٍ مِن الْعُلَمَاءِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ عَلَى أَنَّ مِثْل هَذَا الْحَدِيثِ لَا يُتَأَوَّلُ تَأْوِيلًا يُخْرِجُهُ عَن ظَاهِرِهِ الْمَقْصُودِ بِهِ، وَقَد تَأَوَّلَهُ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْوُهُ تَأْوِيلَاتٍ مُسْتَكْرَهَةً. ٧/ ٦٧٠ - ٦٧٤
* * *
(معنى حديث: لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَن فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ)
٥٩٥ - فِي "الصَّحِيحِ" (١): "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَن فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ، وَلَا يَدْخُلُ النَّارَ مَن فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِن إيمَانٍ" فَالْكِبْرُ الْمُبَايِنُ لِلْإِيمَانِ: لَا يَدْخُلُ صَاحِبُهُ الْجَنَّةَ؛ كَمَا فِي قَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} غافر: ٦٠، وَمِن هَذَا كِبْرُ إبْلِيسَ، وَكِبْرُ فِرْعَوْنَ وَغَيْرِهِمَا مِمَن كَانَ كِبْرُهُ فنَافِيًا لِلْإِيمَانِ، وَكَذَلِكَ كِبْرُ الْيَهُودِ وَاَلَّذِينَ أخْبَرَ اللهُ عَنْهُم بِقَوْلِهِ: {أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ} البقرة: ٨٧.
وَالْكِبْرُ كُلُّهُ مُبَايِن لِلْإِيمَانِ الْوَاجِبِ، فَمَن فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِن كِبْرٍ لَا يَفْعَلُ مَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِ، وَيَتْرُكُ مَا حَرَّمَ عَلَيْهِ؛ بَل كِبْرُهُ يُوجِبُ لَهُ جَحْدَ الْحَقِّ وَاحْتِقَارَ الْخَلْقِ.
فَقَوْلُهُ: "لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ": متَضَمِّن لِكَوْنِهِ لَيْسَ مِن أَهْلِهَا، وَلَا مُسْتَحِقًّا لَهَا، لَكِنْ إنْ تَابَ أَو كَانَت لَهُ حَسَنَاتٌ مَاحِيَةٌ لِذَنْبِهِ أَو ابْتَلَاهُ اللهُ بِمَصَائِبَ كَفَّرَ بِهَا خَطَايَاهُ وَنَحْو ذَلِكَ زَالَ ثَمَرَةُ هَذَا الْكِبْرِ الْمَانِعِ لَهُ مِن الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا، أَو غَفَرَ اللهُ لَهُ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ مِن ذَلِكَ الْكِبْرِ مِن نَفْسِهِ، فَلَا يَدْخُلُهَا وَمَعَهُ شَيْءٌ مِن الْكِبْرِ.
وَلهَذَا قَالَ مَن قَالَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ: إنَّ الْمَنْفِيَّ هُوَ الدُّخُولُ
(١) الشطر الأول رواه مسلم (٩١)، والشطر الثاني رواه الترمذي (١٩٩٩)، وابن ماجه (٥٩).