فَكُلُّ سَبَبٍ:
- فَلَهُ شَرِيكٌ.
- وَلَهُ ضِدٌّ.
فَإِنْ لَمْ يُعَاوِنْهُ شَرِيكُهُ وَلَمْ يُصْرَفْ عَنْهُ ضِدُّهُ: لَمْ يَحْصُلْ سَبَبُهُ؛ فَالْمَطَرُ وَحْدَهُ لَا يُنْبِتُ النَّبَاتَ إلَّا بِمَا يَنْضَمُّ إلَيْهِ مِن الْهَوَاءِ وَالتُّرَابِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ الزَّرْعُ لَا يَتِمُّ حَتَّى تُصْرَفَ عَنْهُ الْآفَاتُ الْمُفْسِدَةُ لَهُ، وَالطَّعَامُ وَالشَّرَابُ لَا يُغَذِّي إلَّا بِمَا جُعِلَ فِي الْبَدَنِ مِن الْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى.
وَمَجْمُوعُ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إنْ لَمْ تُصْرَف الْمُفْسِدَاتُ.
وَالْمَخْلُوقُ الَّذِي يُعْطِيكَ أَو يَنْصُرُكَ فَهُوَ -مَعَ أَنَّ اللهَ يَخْلُقُ فِيهِ الْإِرَادَةَ وَالْقُوَّةَ وَالْفِعْلَ- فَلَا يَتِمُّ مَا يَفْعَلُهُ إلَّا بِأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ خَارِجَةٍ عَن قُدْرَتِهِ، تُعَاوِنُهُ عَلَى مَطْلُوبِهِ، وَلَو كَانَ مَلِكًا مُطَاعًا، وَلَا بُدَّ أَنْ يُصْرَفَ عَن الْأسْبَابِ الْمُعَاوِنَةِ مَا يُعَارِضُهَا وَيُمَانِعُهَا، فَلَا يَتِمُّ الْمَطْلُوبُ إلَّا بِوُجُودِ الْمُقْتَضِي وَعَدَمِ الْمَانِعِ.
وَمَن عَرَفَ هَذَا حَقَّ الْمَعْرِفَةِ: انْفَتَحَ لَهُ بَابُ تَوْحِيدِ اللهِ، وَعَلِمَ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ لِأَنْ يُدْعَى غَيْرُة، فَضْلًا عَن أَنْ يُعْبَدَ غَيْرُهُ، وَلَا يُتَوَكَّلَ عَلَى غَيْرِهِ، وَلَا يُرْجَى غَيْرُهُ.
وَهَذَا مُبَرْهَنٌ بِالشَّرْعِ وَالْعَقْلِ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْأَسْبَابِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ، وَأفْعَالِ الْمَلَائِكةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَشَفَاعَتِهِمْ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِن الْأَسْبَابِ. ٨/ ١٦٦ - ١٦٨
* * *
الفرق بين التوكل والاستعانة
٦٠٣ - التَّوَكُّلُ مَقْرُونٌ بِالْعِبَادَةِ فِي قَوْلِهِ: {فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ} هود: ١٢٣.
وَالْعِبَادَةُ: فِعْلُ الْمَأْمُورِ، فَمَن تَرَكَ الْعِبَادَةَ الْمَأْمُورَ بِهَا وَتَوَكَّلَ: لَمْ يَكُن أَحْسَنَ حَالًا مِمَن عَبَدَهُ وَلَمْ يَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ؛ بَل كِلَاهُمَا عَاصٍ للهِ تَارِكٌ لِبَعْضِ مَا أُمِرَ بِهِ.