قَدَرًا، فَاصْبِرْ لِحُكْمِهِ وَإِن كَانُوا ظَالِمِينَ فِي ذَلِكَ، وَهَذَا الصَّبْرُ أَعْظَمُ مِن الصَّبْرِ عَلَى مَا جَرَى وَفُعِلَ بِالْأَنْبِيَاءِ.
وَقَالَت الرُّسُلُ لِقَوْمِهِمْ: {وَمَا لَنَا أَلَّا نَتَوَكَّلَ عَلَى اللَّهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ (١٢)} إبراهيم: ١٢ (١).
وَالْمُؤْمِنُ مَأمُورٌ بِأنْ يَصْبِرَ عَلَى الْمَقْدُورِ؛ وَلذَلِكَ قَالَ: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} آل عمران: ١٢٠.
فَالتَّقْوَى: فِعْلُ الْمَأْمُورِ وَتَرْكُ الْمَحْظُورِ.
وَالصَّبْرُ: عَلَى أَذَاهُمْ.
ثُمَّ إنَّهُ حَيْثُ أَبَاحَ الْمُعَاقَبَةَ قَالَ: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ (١٢٦) وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} النحل: ١٢٦، ١٢٧.
فَأَخْبَرَ أَنَّ صَبْرَهُ بِاللهِ، فَاللهُ هُوَ الَّذِي يُعِينُهُ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّ الصَّبْرَ عَلَى الْمَكَارِهِ بِتَرْكِ الِانْتِقَامِ مِن الظَّالِمِ ثَقِيلٌ عَلَى الْأَنْفُسِ، لَكِنَّ صَبْرَهُ بِاللهِ، كَمَا أَمَرَهُ أَنْ يَكُونَ للهِ فِي قَوْلِهِ: {وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧)}.
لَكِنْ هُنَاكَ ذَكَرَهُ فِي الْجُمْلَةِ الطَّلَبِيَّةِ الأَمْرِيَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَأْمُورٌ أَنْ يَصْبِرَ للهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَهُنَا ذَكَرَهُ فِي الْخَبَرِيَّةِ فَقَالَ: {وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ} النحل: ١٢٧ فَإِنَّ الصَّبْرَ وَسَائِرَ الْحَوَادِثِ لَا تَقَعُ إلا بِاللهِ، ثُمَّ قَد يَكُونُ ذَلِكَ وَقَد لَا يَكُونُ.
(١) فالرسل وهم أعظم الناس إيمانًا وثباتًا وصدعًا بالحق، ومع ذلك قالوا: لنصبرن على أذى قومنا وظلمهم، ولم يُقاتلوهم، ولم يُقابلوا أذاهم بالسباب والشتائم.
وقارن بين الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وبين الذين خرجوا على وليّ الأمر المسلم في بلاد الحرمين، وكيف لم يصبروا على الأذى -بزعمهم- فقاتلوا العسكر، وفجروا وأثاروا الفتن، فأين الصبر الذي أمر الله به؟ أليس لهم في الأنبياء أسوة حسنة، فهم قد صبروا على أذى قومهم، ولم يُقاتلوهم، إلا بعد أن مكن الله لهم، وأمدهم بالقوة والعتاد، وبعد أن أمرهم بذلك.