وَلهَذَا قِيلَ: إنَّ مِن ثَوَابِ الْحَسَنَةِ الْحَسَنَةَ بَعْدَهَا، وَإِنَّ مِن عُقُوبَةِ السَّيِّئَةِ السَّيئِّةَ بَعْدَهَا.
وَكَذَلِكَ الْعَمَلُ السَّيِّئُ مِثْلُ الْكَذِبِ -مَثَلًا-: يُعقب صَاحِبَهُ فِي الْحَالِ ظُلْمَةً فِي الْقَلْبِ (١)، وَقَسْوَةً وَضِيقًا فِي صَدْرِهِ، وَنِفَاقًا وَاضْطِرَابًا، وَنِسْيَانَ مَا تَعَلَّمَهُ، وَانْسِدَادَ بَابِ عِلْمٍ كَانَ يَطْلُبُهُ، وَنَقْصًا فِي يَقِينِهِ وَعَقْلِهِ، وَاسْوِدَادَ وَجْهِهِ، وَبُغْضَهُ فِي قُلُوبِ الْخَلْقِ، واجتراءه عَلَى ذَنْبٍ آخَرَ مِن جِنْسِهِ أَو غَيْرِ جِنْسِهِ، وَهَلُمَّ جَرَّا، إلَّا أَنْ يَتَدَارَكَهُ اللهُ بِرَحْمَتِهِ.
فَهَذِهِ الْآثَارُ (٢) الَّتِي تُورِثُهَا الْأَعْمَالُ، هِيَ الثَّوَابُ وَالْعِقَابُ، وَإِفْضَاءُ الْعَمَلِ إلَيْهَا وَاقْتِضَاؤُهُ إيَّاهَا كَإِفْضَاءِ جَمِيعِ الْأَسْبَابِ الَّتِي جَعَلَهَا اللهُ سبحانهُ وتعالى أَسْبَابًا إلَى مُسَبَّباتِهَا.
وَالْإِنْسَانُ إذَا أَكَلَ أَو شَرِبَ حَصَلَ لَهُ الرِّيُّ وَالشِّبَعُ، وَقَد رَبَطَ اللهُ سبحانه وتعالى الرِّيَّ وَالشِّبَعَ بِالشُّرْبِ وَالْأَكْلِ رَبْطًا مُحْكَمًا، وَلَو شَاءَ أَنْ لَا يُشْبِعَهُ وَيَرْوَيهُ مَعَ وُجُودِ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَعَلَ: إمَّا أنْ لَا يَجْعَلَ فِي الطَّعَامِ قُوَّةً مانعة (٣)، أَو يَخعَلَ فِي الْمَحَلِّ قُوَّة مَانِعَةً، أَو بِمَا يَشَاءُ سبحانهُ وتعالى، وَلَو شَاءَ أَنْ يُشْبِعَهُ وَيَرْوِيَهُ بِلَا أَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ، أَو بِأَكْلِ شَيْءٍ غَيْرِ مُعْتَادٍ: فَعَلَ.
كَذَلِكَ فِي اقْتضاء (٤) الْأَعْمَالِ الْمَثُوبَاتِ وَالْعُقُوبَاتِ حَذْوُ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ؛ فَإِنَّهُ إنَّمَا سُمِّيَ الثَّوَابُ ثَوَابًا؛ لِأَنَّهُ يَثُوبُ إلَى الْعَامِلِ مِن عَمَلِهِ؛ أَيْ: يَرْجِعُ، وَالْعِقَابُ عِقَابًا؛ لِأَنَّهُ يَعْقُبُ الْعَمَلَ؛ أَيْ: يَكُون بَعْدَهُ.
(١) فى الأصل يُعاقب صاحبُه في الحال بظلمة في القلب، والتصوبب من جامع المسائل ٩/ ١٠٧.
(٢) في الأصل: هي التي، والتصويب من جامع المسائل ٩/ ١٠٧.
(٣) ما بين المعقوفتين من جامع المسائل ٩/ ١٠٨.
(٤) ما بين المعقوفتين من جامع المسائل ٩/ ١٠٨.