وَلَو شَاءَ اللهُ أَنْ لَا يُثِيبَهُ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ: إمَّا بِأَنْ لَا يَجْعَلَ فِي الْعَمَلِ خَاصَّة تُفْضِي إلَى الثَّوَابِ، او لِوُجُودِ أَسْبَابٍ تَنْفِي ذَلِكَ الثَّوَابَ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ: لَفَعَلَ سبحانهُ وتعالى، وَكَذَلِكَ فِي الْعُقُوبَاتِ.
وَبَيَانُ ذَلِكَ: أَن نَفْسَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِاخْتِيَارِ الْعَبْدِ وَمَشِيئَتِهِ، الَّتِي هِيَ مِن فِعْلِ اللهِ سبحانهُ وتعالى أَيْضًا، وَحُصُولُ الشِّبَعِ عَقِبَ الْأَكْلِ لَيْسَ لِلْعَبْدِ فِيهِ صُنْعٌ أَلْبَتَّةَ، حَتَّى لَو أَرَادَ دَفْعَ الشِّبَعِ بَعْدَ تَعَاطِي الْأَسْبَابِ الْمُوجِبَةِ لَهُ لَمْ يُطِقْ، وَكَذَلِكَ نَفْسُ الْعَمَلِ هُوَ بِإِرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ، فَلَو شَاءَ أَنْ يَدْفَعَ أَثَرَ ذَلِكَ الْعَمَلِ وَثَوَابَهُ بَعْدَ وُجُودِ مُوجِبِهِ لَمْ يَقْدِرْ. ٨/ ٣٩٦ - ٣٩٧
* * *
(خلقُ أفعال العباد)
٦٣١ - أَفْعَالُ الْعِبَادِ مَخْلُوقَةٌ بِاتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، كَمَا نَصَّ عَلَى ذَلِكَ سَائِرُ أَئِمَّةِ الْإِسْلَامِ: الْإِمَامُ أحْمَد وَمَن قَبْلَهُ وَبَعْدَهُ، حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: مَن قَالَ: إنَّ أَفْعَالَ الْعِبَادِ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَن قَالَ: إنَّ السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ.
وَأَنْكَرَ الْأئِمَّةُ مِن أَصْحَابِ أَحْمَد وَغَيْرِهِمْ مِن عُلَمَاءِ السُّنَّةِ مَن قَالَ: إنَّ أَصْوَاتَ الْعِبَادِ وَأَفْعَالَهُم غَيْرُ مَخْلُوقَةٍ، وَصَنَّفَ الْبُخَارِيُّ فِي ذَلِكَ مُصَنَّفًا، كَمَا أَنَّهُم بَدَّعُوا وَجَهَّمُوا مَن قَالَ: إنَّ اللهَ لَا يَتَكَلَّمُ بِصَوْت، أَو إنَّ حُرُوفَ الْقُرْآنِ مَخْلُوقَةٌ، أَو قَالُوا: إنَّ اللَّفْظَ بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ، فَرَدَّ الْأَئِمَّةُ هَذِهِ الْبِدْعَةَ.
وَلَفْظُ "الْأَمْرِ" يُرَادُ بِهِ: الْمَصْدَرُ وَالْمَفْعُولُ؛ فَالْمَفْعُولُ مَخْلُوقٌ، كَمَا قَالَ: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} النحل: ١، وَقَالَ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} الأحزاب: ٣٨، فَهُنَا الْمُرَادُ بِهِ الْمَأْمُورُ بِهِ، لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ أَمْرَهُ الَّذِي هُوَ كَلَامُهُ.
فَإِذَا احْتَجَّ الجهمي الَّذِي يَؤولُ أَمْرَهُ إلَى أَنْ يَجْعَلَهُ حَالًّا فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِقَوْلِهِ: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا} الأحزاب: ٣٨.