كَذَلِكَ فِي سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ الَّذِي رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ (١) وَغَيْرُهُ (٢) عَن شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَن النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ: "سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ يَقُولَ الْعَبْدُ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إلَهَ إلا أَنْتَ، خَلَقْتَنِى وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إلا أَنْتَ، مَن قَالَهَا إذَا أَصْبَحَ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِن يَوْمِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَن قَالَهَا إذَا أَمْسَى مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِن لَيْلَتِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ".
قَوْلُهُ: "أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ": يَتَنَاوَلُ نِعْمَتَهُ عَلَيْهِ مِن الْحَسَنَاتِ وَغَيْرِهَا.
وَقَوْلُهُ: "وَأَبُوءُ بِذَنْبِي": اعْتِرَافٌ مِنْهُ بِذَنْبِهِ. ٨/ ٤٤٢ - ٤٤٤
وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ هِيَ طَرِيقَةُ الْمُؤْمِنِينَ.
٦٣٥ - قوله عليه السَّلام: "سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللَّهُمَّ أنت ربي لا إله إلّا أنتَ": قد اشتمل هذا الحديثُ من المعارف الجليلة ما استحق لأجلها أن يكون سيد الاستغفار، فإنه صدَّرَه باعترافِ العبدِ بربوبية الله، ثم ثنَّاها بتوحيد الإلهية بقوله: "لا إله إلا أنت"، ثمَّ ذكر اعترافَه بأن الله هو الذي خلقَه وأوجدَه ولم يكن شيئًا، فهو حقيقٌ بان يتولَّى تمامَ الإحسان إليه بمغفرةِ ذنوبه، كما ابتدأ الإحسانَ إليه بخلقه.
ثمَّ قال: "وأنا عبدك"، اعترفَ له بالعبودية، فإنّ الله تعالى خلقَ ابنَ آدم لنفسه ولعبادتِه.
فالعبد إذا خَرَج عما خلقه الله له من طاعتِه ومعرفتِه ومحبتِه والإنابةِ إليه والتوكُلِ عليه: فقد أبقَ من سيِّدِه، فإذا تاب إليه ورَجَع إليه فقد راجعَ ما يُحِبه الله منه، فيفرح الله بهذه المراجعة.
(١) (٦٣٠٦).
(٢) الترمذي (٣٣٩٣)، والنسائي (٥٥٢٢)، وأحمد (١٧١١١).