فَلَيْسَ لَهُ ثِقَةٌ بِشَيْء مِن عُلُومِهِ: فَهَذَا الْقَوْلُ فِي غَايَةِ الْفَسَادِ مِن وُجُوهٍ كَثِيرَةِ التَّعْدَادِ، مُشْتَمِل عَلَى أُمُورٍ فَاسِدَةٍ، وَدَعَاوَى بَاطِلَةٍ.
بَل الْوَاقِعُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا: أَنَّك لَا تَجِدُ مَن يُلْزِمُ نَفْسَهُ أَنْ يَنْظُرَ فِي عُلُومِهِ بِهِ (١)، وَيُنَاظِرَ بِهِ إلَّا وَهُوَ فَاسِدُ النَّظَرِ وَالْمُنَاظَرَةِ، كَثِيرُ الْعَجْزِ عَن تَحْقِيقِ عِلْمِهِ وَبَيَانِهِ.
فَأَحْسَنُ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ كَلَامُ الْمُتَكلِّمِ فِي هَذَا: أَنْ يَكُونَ قَد كَانَ هُوَ وَأَمْثَالُهُ فِي غَايَةِ الْجَهَالَةِ وَالضَّلَالَةِ، وَقَد فَقَدُوا أَسْبَابَ الْهُدَى كُلَّهَا، فَلَمْ يَجِدُوا مَا يَرُدُّهُم عَن تِلْكَ الْجَهَالَاتِ إلَّا بَعْضُ مَا فِي الْمَنْطِقِ مِن الْأُمُورِ الَّتِي هِيَ صَحِيحَةٌ، فَإِنَّهُ بِسَبَبِ بَعْضِ ذَلِكَ رَجَعَ كَثِيرٌ مِن هَؤُلَاءِ عَن بَعْضِ بَاطِلِهِمْ، وَإِن لَمْ يَحْصُلْ لَهُم حَقٌّ يَنْفَعُهُمْ، وَإِن وَقَعُوا فِي بَاطِلٍ آخَرَ.
وَمَعَ هَذَا فَلَا يَصِحُّ نِسْبَةُ وُجُوبِهِ إلَى شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ بِوَجْهِ مِن الْوُجُوهِ؛ إذ مَن هَذِهِ حَالُهُ فَإِنَّمَا أُتي مِن نَفْسِهِ بِتَرْكِ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ مِن الْحَقِّ حَتَّى احْتَاجَ إلَى الْبَاطِلِ.
وَلهَذَا مَا زَالَ عُلَمَاءُ الْمُسْلِمِينَ وَأَئِمَّةُ الدِّينِ يَذُمُّونَهُ وَيَذُمُّونَ أَهْلَهُ وَيَنْهَوْنَ عَنْهُ وَعَن أَهْلِهِ. ٩/ ٥ - ٦
٦٤٧ - مِن الْمَعْلُومِ أَنَّ الْأُمُورَ الدَّقِيقَةَ: سَوَاءٌ كَانَت حَقًّا أَو بَاطِلًا، إيمَانًا أَو كُفْرًا: لَا تُعْلَمُ إلَّا بِذَكَاء وَفِطْنَةٍ، فَكَذَلِكَ أَهْلُهُ (٢) قَد يستجهلون مَن لَمْ يَشْركْهُم فِي عِلْمِهِمْ، وَإِن كَانَ إيمَانُهُ أَحْسَنَ مِن إيمَانِهِمْ إذَا كَانَ فِيهِ قُصُورٌ فِي
= وَأَمَّا مُخَاطَبَةُ أَهْلِ اصْطِلَاحٍ بِاصْطِلَاحِهِمْ وَلُغَتِهِمْ: فَلَيْسَ بمَكْرُوه: إذَا اُحْتِيجَ إلَى ذَلِكَ.
وَكَانَت المَعَانِي صَحِيحَةً.
كَمُخَاطَبَةِ الْعَجَمِ مِن الرُّومِ وَالْفُرْسِ وَالتُّرْكِ بِلُغَتِهِمْ وَعُرْفِهِمْ؛ فَإِنَّ هَذَا جَائِزٌ حَسَنٌ لِلْحَاجَةِ. اهـ. (٣/ ٣٠٣ - ٣٠٦).
(١) أي: بعلم المنطق.
(٢) أي: أهل المنطق والفلسفة.