الذَّكَاءِ وَالْبَيَانِ، وَهُم كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ (٢٩) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (٣٠) وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ (٣١) وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلَاءِ لَضَالُّونَ (٣٢) وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ (٣٣) فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ (٣٥) هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (٣٦)} المطففين: ٢٩ - ٣٦. ٩/ ٧
٦٤٨ - الْقِيَاسُ يَنْعَقِدُ فِي نَفْسِهِ بِدُونِ تَعَلُّمِ هَذ الصِّنَاعَةِ (١)، كَمَا يَنْطِقُ الْعَرَبِيُّ بِالْعَرَبِيَّةِ بِدُونِ النَّحْوِ، وَكَمَا يَقْرِضُ الشَّاعِرُ الشِّعْرَ بِدُونِ مَعْرِفَةِ الْعَرُوضِ.
لَكِنَّ اسْتِغْنَاءَ بَعْضِ النَّاسِ عَن هَذِهِ الْمَوَازِينِ لَا يُوجِبُ اسْتِغْنَاءَ الْآخَرِينَ (٢)؛ فَاسْتِغْنَاءُ كَثِيرٍ مِن النُّفُوسِ عَن هَذِهِ الصِّنَاعَةِ لَا يُنَازِعُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْهُمْ. ٩/ ٩
٦٤٩ - لَا تَجِدُ أَحَدًا مِن أَهْلِ الْأَرْضِ حَقَّقَ عِلْمًا مِن الْعُلُومِ وَصَارَ إمَامًا فِيهِ مُسْتَعِينًا بِصِنَاعَةِ الْمَنْطِقِ، لَا مِن الْغلُومِ الدِّينِيَّةِ وَلَا غَيْرِهَا؛ فَالْأَطِبَّاءُ والحساب وَالْكُتَّابُ وَنَحْوُهُم يُحَقِّقُونَ مَا يُحَقِّقُونَ مِن عُلُومِهِمْ وَصِنَاعَاتِهِمْ بِغَيْرِ صِنَاعَةِ الْمَنْطِقِ. ٩/ ٢٣
٦٥٠ - لَا يُنْكَرُ أَنَّ فِي الْمَنْطِقِ مَا قَد يَسْتَفِيدُ بِبَعْضِهِ مَن كَانَ فِي كُفْرٍ وَضَلَالٍ وَتَقْلِيدٍ مِمَن نَشَأَ بَيْنَهُم مِن الْجُهَّالِ؛ كَعَوَامِّ النَّصَارَى وَالْيَهُودِ وَالرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ، فَأَوْرَثَهُم الْمَنْطِقُ تَرْكَ مَا عَلَيْهِ أُولَئِكَ مِن تِلْكَ الْعَقَائِدِ.
وَلَكِنْ يَصِيرُ غَالِبُ هَؤُلَاءِ مُدَاهِنِينَ لِعَوَامِّهِمْ، مُضِلِّينَ لَهُم عَن سَبِيلِ اللهِ،
(١) أي: الْقِيَاس المنطقي.
(٢) وكذلك الحال في تعبير الرؤى، فبعض المعبرين يُعبر بِدُونِ مَعْرِفَةِ أصول التعبير.
لَكِنَّ اسْتِغْنَاءَ غيره -ممن لم تكن عنده موهبةٌ وعلمٌ جبليّ لهذا العلم- عَن هَذِهِ الْأصول لَا يُوجِبُ اسْتِغْنَاءَ الْآخَرِينَ.
فمن الخطأ القول بأن التعبير لا يُمكن تعلّمه.