ب - وَتَارَةً يَكُونُ الْإِنْسِيُّ آذَاهُم إذَا بَالَ عَلَيْهِمْ، أَو صَبَّ عَلَيْهِم مَاءً حَارًّا، او يَكونُ قَتَلَ بَعْضَهُمْ، أَو غَيْرَ ذَلِكَ مِن أَنْوَاعِ الْأَذَى، وَهَذَا أَشَدُّ الصَّرْعِ، وَكَثيرًا مَا يَقْتُلُونَ الْمَصْرُوعَ.
ج - وَتَارَةً يَكُونُ بِطَرِيقِ الْعَبَثِ بِهِ، كَمَا يَعْبَثُ سُفَهَاءُ الْإِنْسِ بِأَبْنَاءِ السَّبِيلِ.
وَمِن اسْتِمْتَاعِ الْإِنْسِ بِالْجِنِّ اسْتِخْدَامُهُم فِي الْإِخْبَارِ بِالْأمُورِ الْغَائِبَةِ (١)، كَمَا يُخْبَرُ الْكُهَّانُ، فَإِنَّ فِي الْإِنْسِ مَن لَهُ غَرَضٌ فِي هَذَا؛ لِمَا يَحْصُلُ بِهِ مِن الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ.
فَإِنَّهُ لَا يَخْدِمُ الْأِنْسِيَّ بِهَذِهِ الْأَخْبَارِ إلَّا لِمَا يَسْتَمْتِعُ بِهِ مِن الْإِنْسِيِّ، بِأَنْ يُطِيعَهُ الْإِنْسِيُّ فِي بَعْضِ مَا يُرِيدُهُ، إمَّا فِي شرْكٍ، وَإِمَّا فِي فَاحِشَةٍ، وَإِمَّا فِي أَكْلِ حَرَامٍ، وَإِمَّا فِي قَتْلِ نَفْسٍ بِغَيْرِ حَقٍّ.
وَمِن اسْتِمْتَاعِ الْإِنْسِ بِالْجنِّ اسْتِخْدَامُهُم فِي إحْضَارِ بَعْضِ مَا يَطْلُبُونَهُ مِن مَالٍ وَطَعَامٍ وَثيَابٍ وَنَفَقَةٍ، فَقَد يَأْتُونَ بِبَعْضِ ذَلِكَ وَقَد يَدُلُّونَهُ عَلَى كَنْزٍ وَغَيْرِهِ.
وَإِذَا سُئِلَ الشَّيْخُ الْمَخْدُومُ عَن أمْرٍ غَائِب: إِمَّا سَرِقَةٍ، وَإِمَّا شَخْصٍ مَاتَ، وَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُخْبِرَ بِحَالِهِ، أَو عِلَّةٍ فِي النِّسَاءِ، أَو غَيْرِ ذَلِكَ (٢)، فَإِنَّ الْجِنِّيَّ قَد يُمَثِّلُ ذَلِكَ فَيُرِيهِ صُورَةَ الْمَسْرُوقِ فَيَقُولُ الشَّيْخُ: ذَهَبَ لَكُمْ كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ إنْ كَانَ صَاحِبُ الْمَالِ مُعَظَّمًا وَأرَادَ أَنْ يَدُلَّهُ عَلَى سَرِقَتِهِ مَثَّلَ لَهُ الشَّيْخُ الَّذِي أَخَذَهُ أَو الْمَكَانَ الَّذِي فِيهِ الْمَالُ فَيَذْهَبُونَ إلَيْهِ فَيَجِدُونَهُ كَمَا قَالَ، وَالْأَكْثَرُ مِنْهُم أَنَّهُم يُظْهِرُونَ صُورَةَ الْمَالِ وَلَا يَكُونُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَرَقَ الْمَالَ مَعَهُ أَيْضًا جِنِّي يَخْدِمُهُ.
(١) المستقبلية، فأما الأخبار الماضية، والكشف عن أمورٍ وقع بها الإنسان في الماضي، كان يُخبره عن سبب صرعه، ومتى أصابه المرض الفلاني: فهذا غيبٌ نسبيّ، وقد تعلمه الجن، وليس هذا مراد الشيخ والعلم عند الله تعالى.
(٢) هذا يبين أنّ الكهانة هي الإخبار بالأمور المستقبلية، وأما الماضي فلا يُسمى كهانةً.