وَالْجِنُّ يَخَافُ بَعْضُهُم مِن بَعْضٍ كَمَا أَنَّ الْإِنْسَ يَخَافُ بَعْضهُم بَعْضًا، فَإِذَا دَلَّ الْجِنِّيُّ عَلَيْهِ جَاءَ إلَيْهِ أَوْليَاءُ السَّارِقِ فَآذَوْهُ، وَأَحْيَانًا لَا يَدُلُّ لِكَوْنِ السَّارِقِ وَأَعْوَانِهِ يَخْدِمُونَهُ وَيَرْشُونَهُ، كَمَا يُصِيبُ مَن يَعْرِفُ اللُّصُوصَ مِن الْإِنْسِ، تَارَةً يَعْرِفُ السَّارِقَ وَلَا يُعَرّفُ بِهِ، إِمَّا لِرَغْبَةٍ يَنَالُهَا مِنْهُ، وَإِمَّا لِرَهْبَةٍ وَخَوْفٍ مِنْهُ.
وَالْجِنُّ مُكَلَّفُونَ كَتَكْلِيفِ الإِنْسِ، وَمُحَمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم - مُرْسَلٌ إلَى الثَّقَلَيْنِ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَكُفَّارِ الْجِنِّ يَدْخُلُونَ النَّارَ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ.
وَأَمَّا مُؤْمِنُوهُمْ: فَفِيهِمْ قَوْلَانِ، وَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُم يُثَابُونَ أَيْضًا وَيَدْخُلُونَ الْجَنَةَ.
وَاسْتِخْدَامُ الْإِنْسِ لَهُم مِثْلُ اسْتِخْدَامِ الْإِنْسِ لِلْإِنْسِ بِشَيءِ:
أ - مِنْهُم: مَن يَسْتَخْدِمُهُم فِي الْمُحَرَّمَاتِ مِن الْفَوَاحِشِ وَالظُّلْمِ وَالشِّرْكِ وَالْقَوْلِ عَلَى اللّهِ بِلَا عِلْمٍ، وَقَد يَظُنُّونَ ذَلِكَ مِن كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ، وَإِنَّمَا هُوَ مِن أَفْعَالِ الشَّيَاطِينِ.
ب - وَمِنْهُم: مَن يَسْتَخْدِمُهُم فِي أُمُورِ مُبَاحَةٍ، إمَّا إحْضَارِ مَالِهِ، أَو دَلَالَةٍ عَلَى مَكَانٍ فِيهِ مَا لَيْسَ لَهُ مَالِكٌ مَعْصُومٌ، أَو دَفْعِ مَن يُؤذِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا كَاسْتِعَانَةِ الْإِنْسِ بَعْضِهِمْ بِبَعْضِ فِي ذَلِكَ.
ج - والنَّوْعُ الثَّالِثُ: أنْ يَسْتَعْمِلَهُم فِي طَاعَةِ اللّهِ وَرَسُولِهِ، كَمَا يُسْتَعْمَلُ الْإِنْسُ فِي مِثْل ذَلِكَ، فَيَأْمُرَهُم بِمَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَيَنْهَاهُم عَمَّا نَهَاهُم اللهُ عَنْهُ وَرَسُولُهُ، كَمَا يَأْمُرُ الْإِنْسَ وَيَنْهَاهُمْ، وَهَذِهِ حَالُ نَبِيِّنَا - صلى الله عليه وسلم - وَحَالٌ مَن اتَّبَعَهُ وَاقْتَدَى بِهِ مِن أُمَّتِهِ، وَهُم أَفْضَلُ الْخَلْقِ.
وَعُمَرُ - رضي الله عنه - لَمَّا نَادَى: يَا سَارِيةُ الْجَبَلَ قَالَ: إنَّ للّهِ جُنُودًا يُبَلِّغُونَ صَوْتي.
وَجُنُودُ اللّهِ: هُم مِن الْمَلَائِكةِ وَمِن صَالِحِي الْجِنِّ، فَجُنُودُ اللهِ بَلَّغُوا صَوْتَ عُمَرَ إلَى سَارِيةَ، وَهُوَ أَنَّهُم نَادَوْهُ بِمِثْل صَوْتِ عُمَرَ، وَإِلَّا نَفْسُ صَوْتِ عُمَرَ لَا يَصِلُ نَفْسُهُ فِي هَذِهِ الْمَسَافَةِ الْبَعِيدَةِ، وَهَذَا كَالرَّجُلِ يَدْعُو آخَرَ وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْهُ