فَيَقُولُ: يَا فلَانُ، فَيُعَانُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَقُولُ الْوَاسِطَةُ بَيْنَهُمَا: يَا فُلَان.
وَقَد يَأْمُرُ الْمَلِكُ بَعْضَ النَّاسِ بِأَمْرٍ وَيَسْتَكْتِمُهُ إِيَّاهُ، فَيَخْرُجُ فَيَرَى النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ بِهِ، فَإِنَّ الْجِنَّ تَسْمَعُهُ وَتُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ.
وَكَثِيرًا مَا يَسْتَغِيثُ الرَّجُلُ بِشَيْخِهِ الْحَيِّ أَو الْمَيِّتِ، فَيَأتُونَهُ فِي صُورَةِ ذَلِكَ الشَّيْخِ، وَقَد يُخَلِّصُونَهُ مِمَّا يَكْرَهُ، فَلَا يَشُكُّ أَنَّ الشَّيْخَ نَفْسَهُ جَاءَهُ، أَو أَنَّ مَلَكًا تَصَوَّرَ بِصُورَتهِ وَجَاءَهُ، وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ ذَلِكَ الَّذِي تَمَثَّلَ إنَّمَا هُوَ الشَّيْطَانُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاللهِ أَضَلَّتْهُ الشَّيَاطِينُ، وَالْمَلَائِكَةُ لَا تُجِيبُ مُشْرِكًا.
وَتَارَةً يَأْتُونَ إلَى مَن هُوَ خَالٍ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَقَد يَكُونُ مَلِكًا أَو أَمِيرًا كَبِيرًا، وَيَكُونُ كَافِرًا، وَقَد انْقَطَعَ عَن أَصْحَابِهِ وَعَطِشَ وَخَافَ الْمَوْتَ، فَيَأتِيهِ فِي صُورَةِ إنْسِيٍّ وَيَسْقِيهِ وَيَدْعُوهُ إلَى الْإِسْلَامِ وَيُتَوِّبُه فَيُسْلِمُ عَلَى يَدَيْهِ، وَيُتَوِّبُه وَيُطْعِمُهُ وَيَدُلُّهُ عَلَى الطَّرِيقِ وَيَقُولُ: مَن أَنْتَ؟ فَيَقُولُ: أَنَا فُلَانٌ، وَيَكُونُ مِن مُؤْمِنِي الْجِنِّ.
كَمَا جَرَى مِثْلُ هَذَا لِي، كُنْت فِي مِصْرَ فِي قَلْعَتِهَا، وَجَرَى مِثْلُ هَذَا إلَى كَثِيرٍ مِن التُّرْكِ مِن نَاحِيَةِ الْمَشْرِقِ، وَقَالَ لَهُ ذَلِكَ الشَّخْصُ: أَنَا ابْنُ تَيْمِيَّة، فَلَمْ يَشُكَّ ذَلِكَ الْأَمِيرُ أَنِّي أَنَا هُوَ، وَأَخْبَرَ بِذَلِكَ مَلِكَ مَارِدِينَ، وَأَرْسَلَ بِذَلِكَ مَلِكُ مَارِدِينَ إلَى مَلِكِ مِصْرَ رَسُولًا، وَكُنْت فِي الْحَبْسِ (١)؛ فَاسْتَعْظَمُوا ذَلِكَ وَأَنَا لَمْ أَخْرُجْ مِن الْحَبْسِ، وَلَكِنْ كَانَ هَذَا جِنِّيًّا يُحِبُّنَا فَيَصنَعُ بِالتُّرْكِ التتر مِثْل مَا كنْت أَصْنَعُ بِهِم لَمَّا جَاءُوا إلَى دِمَشْقَ: كُنْت أَدْعُوهُم إلَى الْإِسْلَامِ، فَإِذَا نَطَقَ أَحَدُهُم بِالشَّهَادَتَيْنِ أَطْعَمْتهمْ مَا تَيَسَّرَ، فَعَمِلَ مَعَهُم مِثْل مَا كُنْت أَعْمَلُ، وَأَرَادَ بِذَلِكَ إكْرَامِي لِيَظُنَّ ذَاكَ أَنِّي أَنَا الَّذِي فَعَلْت ذَلِكَ.
قَالَ لِي طَائِفَةٌ مِن الناسِ: فَلِمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَلَكًا؟
(١) العجيب أنك لا تكاد تقف له في موضعٍ يسب وهو في سجنه الحكام الذين سجنوه، ولا يذكرهم ويشنع عليهم، ولا يذكر مساوئهم، بل يُعرض عن هذا كله، ويشتغل بما اشْتغل به الأنبياء، من الدعوة والإفتاء، وبيان الحق، والرد على الباطل، دون التعرض على ذوات الناس.