قُلْت: لَا (١). إنَّ الْمَلَكَ لَا يَكْذِبُ، وَهَذَا قَد قَالَ: أَنَا ابْنُ تَيْمِيَّة، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي ذَلِكَ.
وَكَثِيرٌ مِن النَّاسِ رَأَى مَن قَالَ: إنِّي أَنَا الْخَضِرُ، وَإِنَّمَا كَانَ جِنِّيًّا.
ثُمَّ صَارَ مِن النَّاسِ مَن يُكَذِّبُ بِهَذِهِ الْحِكَايَاتِ إنْكَارًا لِمَوْتِ الْخَضِرِ، وَالَّذِينَ قَد عَرَفُوا صِدْقَهَا يَقْطَعُونَ بِحَيَاةِ الْخَضِرِ، وَكِلَا الطَّائِفَتَيْنِ مُخْطِئٌ، فَإِنَّ الَّذِينَ رَأَوْا مَن قَالَ: إنِّي أَنَا الْخَضِرُ هُم كَثِيرُونَ صَادِقُونَ، وَالْحِكَايَاتُ مُتَوَاتِرَاتٌ؛ لَكِنْ أَخْطَئُوا فِي ظَنِّهِمْ أَنَّهُ الْخَضِرُ، وَإِنَّمَا كَانَ جِنِّيًّا.
وَأَصْحَابُ الْحَلَّاجِ (٢) لَمَّا قُتِلَ كَانَ يَأْتِيهِمْ مَن يَقُولُ: أَنَا الْحَلَّاجُ، فَيَرَوْنَهُ فِي صُورَتِهِ عِيَانًا.
وَكَذَلِكَ شَيْخٌ بِمِصْر يُقَالُ لَهُ: الدسوقي، بَعْدَ أَنْ مَاتَ كَانَ يَأْتِي أَصْحَابَهُ مِن جِهَتِهِ رَسَائِلُ وَكُتُبٌ مَكْتُوبَةٌ، وَأَرَانِي صَادِقٌ مِن أَصْحَابهِ الْكِتَابَ الَّذِي أَرْسَلَة، فَرَأَيْته بِخَطِّ الْجِنِّ -وَقَد رَأَيْت خَطَّ الْجِنِّ غَيْرَ مَرَّةٍ (٣) - وَفِيهِ كَلَامٌ مِن كَلَامِ الْجِنِّ وَذَاكَ الْمُعْتَقِدُ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّيْخَ حَيٌّ.
١١٠٧ - الَّذِينَ يَرَوْنَ الْخَضِرَ أَحْيَانًا هُوَ جِنِّيٌّ رَآه، وَقَد رَآه غَيْرُ وَاحِدٍ مِمَن أَعْرِفُهُ، وَقَالَ: إنَّنِي الْخَضِرُ، وَكَانَ ذَلِكَ جِنِّيًّا لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ رَأَوْهُ، وَإِلَّا فَالْخَضِرُ الَّذِي كَانَ مَعَ مُوسَى عليه السلام مَاتَ.
(١) كان بالإمكان أنْ يدعي ذلك، وسوف يرتفع شأنه عند العوام والحكام، ولكنه - صلى الله عليه وسلم - كان صادقًا لا يُجيز الكذب، ولا همّ له إِلَّا نصر الحق، ويريد رفع الدِّين لا رفع نفسِه.
(٢) هو: الحسين بن منصور الحلاج نشأ بواسط، وقيل بتستر، وخالط جماعة من الصوفية منهم سهل التستري والجنيد وأبو الحسن النوري وغيرهم.
رحل إلى بلاد كثيرة، ومنها: الهند، فتعلم السحر بها، وأقام أخيرًا ببغداد، وبها قتل.
وكان صاحب حيل وخداع، فخدع بذلك كثيرًا من جهلة الناس، واستمالهم إليه، حتى ظنوا فيه أنه من أولياء الله الكبار.
قتل ببغداد عام (٣٥٩ هـ) بسبب ما ثبت عنه من الكفر والزندقة والحلول.
(٣) كلامُه هذا عجيب غريب، ولو كان من غيره لشككتُ في صحته، ولقلت: وما أدراه أنه من الجن؛ ولكن شيخ الإسلام أدرى بما يقول، ولم يُعهد عنه المبالغة أو عدم تحري الصدق والصواب، رحمه الله تعالى.