وَقَد تَحْمِلُ أَحَدَهُم الْجِنُّ فَتُزَوِّرُهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ وَغَيْرَهُ وَتَطِيرُ بِهِ فِي الْهَوَاءِ وَتَمْشِي بِهِ فِي الْمَاءِ، وَقَد تُرِيهِ أَنَّهُ قَد ذُهِبَ بِهِ إلَى مَدِينَةِ الْأَوْلِيَاء، وَرُبَّمَا أَرَتْهُ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِن ثِمَارِ الْجَنَّةِ وَيَشْرَبُ مِن أَنْهَارِهَا.
وَهَذَا كُلُّهُ وَأَمْثَالُهُ مِمَّا أَعْرِفُهُ قَد وَقَعَ لِمَن أَعْرِفُهُ، لَكِنَّ هَذَا بَابٌ طَوِيلٌ لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. ١/ ٤٥٦ - ٤٦٠
١١١٢ - ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحِ" عَنِ النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - أَنَّهُ قَالَ: "مَا مِنْكُمْ مِن أَحَدٍ إِلَّا وَقَد وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْمَلَائِكةِ وَقَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ، قَالُوا: وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللّهِ، قَالَ: وَإِيَّايَ إلَّا أَنَّ اللهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ، وَفِي رِوَايَةٍ: فَلَا يَأْمُرُنِي إلَّا بِخَيْر" (١).
أَيْ: اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ، وَكَانَ ابْنُ عُيَيْنَة يَرْوِيه (فَأَسْلَمُ) بِالضَّمِّ، وَيَقُولُ: إنَّ الشَّيْطَانَ لَا يُسْلِمُ.
لَكِنَّ قَوْلَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: (فَلَا يَأْمُرُنِى إِلَّا بِخَيْرِ) دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ يَأْمُرُهُ بِالشَّرِّ، وَهَذَا إسْلَامُهُ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ كِنَايَةً عَن خُضُوعِهِ وَذِلَّتِهِ، لَا عَن إيمَانِهِ بِاللّهِ، كَمَا يَقْهَرُ الرَّجُلُ عَدُوَّهُ الظَّاهِرَ وَيَأْسِرُهُ، وَقَد عَرَفَ الْعَدُوُّ الْمَقْهُورُ أَنَّ ذَلِكَ الْقَاهِرَ يَعْرِفُ مَا يُشِيرُ بِهِ عَلَيْهِ مِن الشَّرِّ، فَلَا يَقْبَلُهُ بَل يُعَاقِبُهُ عَلَى ذَلِكَ، فَيَحْتَاجُ لِانْقِهَارِهِ مَعَهُ إلَى أَنَّهُ لَا يُشِيرُ عَلَيْهِ إلَّا بِخَيْرٍ لِذِلَّتِهِ وَعَجْزِهِ، لَا لِصَلَاحِهِ وَدِينِهِ. ١٧/ ٥٢٣
١١١٣ - كَافِرُهُم أي: الجنّ مُعَذَّبٌ فِي الْآخِرَةِ بِاتِّفَاقِ الْعُلَمَاءِ، وَأَمَّا مُؤْمِنُهُم فَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ.
وَإِذَا كَانَ الْجِنُّ أَحْيَاءَ عُقَلَاءَ مَأْمُورِينَ مَنْهِيّينَ لَهُم ثَوَابٌ وَعِقَابٌ وَقَد أُرْسِلَ إلَيْهِم النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم -: فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يَسْتَعْمِلَ فِيهِمْ مَا يَسْتَعْمِلُهُ فِي الْإِنْسِ
(١) مسلم (٢٨١٤).