مِنَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَالدَّعْوَةِ إلَى اللهِ كَمَا شَرَعَ اللهُ وَرَسُولُهُ، وَكَمَا دَعَاهُمُ النَّبِيُّ - صلى الله عليه وسلم - وَيُعَامِلُهُم إذَا اعْتَدَوْا بِمَا يُعَامِلُ بِهِ الْمُعْتَدُونَ فَيَدْفَعُ صَوْلَهُم بِمَا يَدْفَعُ صَوْلَ الْإِنْسِ.
وَصَرْعُهُم لِلْإِنْسِ قَد يَكونُ عَن شَهْوَةٍ وَهَوًى وَعِشْقٍ كَمَا يَتَّفِقُ لِلْإِنْسِ مَعَ الْإِنْسِ، وَقَد يَتَنَاكَحُ الْإِنْسُ وَالْجِنّ وَيُولَدُ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ، وَهَذَا كَثِيرٌ مَعْرْوفٌ.
وَقَد تَقْضِي بَعْضَ حَوَائِجِهِمْ؛ إمَّا قَتْلَ بَعْضِ أَعْدَائِهِمْ، أَو إمْرَاضَهُ، وَإِمَّا جَلْبَ بَعْضِ مَن يَهْوُونَهُ، وَإِمَّا إحْضَارَ بَعْضِ الْمَالِ، وَلَكِنَّ الضَّرَرَ الَّذِي يَحْصُلُ لَهُم بِذَلِكَ أَعْظَمُ مِنَ النَّفْعِ؛ بَل قَد يَكُونُ أَضْعَافَ أَضْعَافِ النَّفْعِ.
وَالَّذِينَ يَسْتَخْدِمُونَ الْجِنَّ بِهَذِهِ الْأمُورِ يَزْعُمُ كَثِيرٌ مِنْهُم أَنَّ سُلَيْمَانَ كَانَ يَسْتَخْدِمُ الْجِنَّ بِهَا، فَإِنَّهُ قَد ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِن عُلَمَاءِ السَّلَفِ أنَّ سُلَيْمَانَ عليه السلام لَمَّا مَاتَ كَتَبَت الشَّيَاطِينُ كتُبَ سِحْرٍ وَكُفْرٍ وَجَعَلَتْهَا تَحْتَ كُرْسِيِّهِ وَقَالُوا: كَانَ سُلَيْمَانُ يَسْتَخْدِمُ الْجِن بِهَذِهِ، فَطَعَنَ طَائِفَةٌ مِن أَهْلِ الْكِتَابِ فِي سُلَيْمَانَ بِهَذَا، وَآخَرُونَ قَالُوا: لَوْلَا أَنَّ هَذَا حَق جَائِزٌ لَمَا فَعَلَهُ سُلَيْمَانُ، فَضَلَّ الْفَرِيقَانِ: هَؤُلَاءِ بِقَدْحِهِمْ فِي سُلَيْمَانَ، وَهَؤُلَاءِ بِاتِّبَاعِهِمُ السِّحْرَ. ١٩/ ٣٨ - ٤٢
١١١٤ - قَالَ رَسُولُ اللّهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّ لِهَذِهِ الْبُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأْيْتُمْ شَيْئًا مِنْهَا فَحَرِّجُوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا، فَإِنْ ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقْتُلُوهُ، فَإِنَّهُ كَافِرٌ" (١)؛ وَذَلِكَ أَنَّ قَتْلَ الْجِنِّ بِغَيْرِ حَقٍّ لَا يَجُوزُ، كَمَا لَا يَجُوزُ قَتْلُ الْإِنْسِ بِلَا حَقٍّ، وَالظُّلْمُ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ حَالٍ، فَلَا يَحِل لِأحَدٍ أَنْ يَظْلِمَ أحَدًا وَلَو كَانَ كَافِرًا؛ بَل قَالَ تَعَالَى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} المائدة: ٨.
وَالْجِن يَتَصَوَّرُونَ فِي صُوَرِ الْإِنْسِ وَالْبَهَائِمِ، فَيَتَصَوَّرُونَ فِي صُوَرِ الْحَيَّاتِ وَالْعَقَارِبِ وَغَيْرِهَا، وَفِي صُوَرِ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْخَيْلِ وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ، وَفِي صُوَرِ الطَّيْرِ، وَفِي صُوَرِ بَنِي آدَمَ. ١٩/ ٤٤
(١) رواه مسلم (٢٢٣٦).