وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ يَسْمَعُ مَا يَقُولُونَهُ وَيُخْبِرُونَ بِهِ عَنِ الْجِنِّ، كَمَا يَسْمَعُ الْمُسْلِمُونَ مَا يَقُولُ الْكُفَّارُ وَالْفُجَّارُ لِيَعْرِفُوا مَا عِنْدَهُم فَيَعْتَبِرُوا بِهِ، وَكَمَا يُسْمَعُ خَبَرَ الْفَاسِقِ وَيُتَبَيَّنُ وَيُتَثَبَّتُ فَلَا يُجْزَمُ بِصِدْقِهِ وَلَا كَذِبِهِ إلَّا بِبَيِّنَةٍ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} الحجرات: ٦.
وَقَد رُوِيَ عَن أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ أَبْطَأَ عَلَيْهِ خَبَرُ عُمَرَ وَكَانَ هُنَاكَ امْرَأَةٌ لَهَا قَرِينٌ مِنَ الْجِنِّ، فَسَأَلَهُ عَنْهُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَرَكَ عُمَرَ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ.
وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّ عُمَرَ أَرْسَلَ جَيْشًا فَقَدِمَ شَخْصٌ إلَى الْمَدِينَةِ، فَأَخْبَرَ أَنَّهُم انْتَصَرُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ، وَشَاعَ الْخَبَرُ، فَسَالَ عُمَرُ عَن ذَلِكَ فَذُكِرَ لَهُ فَقَالَ: هَذَا أَبُو الْهَيْثَمِ، بَرِيدُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الْجِنِّ، وَسَيَأْتِي بَرِيدُ الْإِنْسِ بَعْدَ ذَلِكَ، فَجَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ بِعِدَّةِ أَيَّامٍ.
* * *
قصص من إضلال الشياطين للمستغيثين بالأولياء وغيرهم
١١١٨ - كَثِيرٌ مِمَن يَسْتَغِيث بِالْمَشَايِخِ فَيَقُولُ: يَا سَيِّدِي فُلَان، أَو يَا شَيْخُ فُلَانٌ اقْضِ حَاجَتِي، فَيَرَى صُورَةَ ذَلِكَ الشَّيْخِ تُخَاطِبُهُ وَيَقُولُ: أَنَا أَقْضِي حَاجَتَك وَأُطَيِّبُ قَلْبَك، فَيَقْضِي حَاجَتَهُ أَو يَدْفَعُ عَنْهُ عَدُوَّهُ، وَيَكُون ذَلِكَ شَيْطَانًا قَد تَمَثَّلَ فِي صُورَتِهِ لَمَّا أَشْرَكَ بِاللهِ فَدَعَا غَيْرَهُ.
وَأَنَا أَعْرِفُ مِن هَذَا وَقَائِعُ متَعَدّدَةٌ، حَتَّى إنَّ طَائِفَةً مِن أَصْحَابِي ذَكَرُوا أَنَّهُم اسْتَغَاثُوا بِي فِي شَدَائِدَ أَصَابَتْهُمْ، أَحَدُهُم كَانَ خَائِفًا مِن الْأَرْمَنِ، وَالْآخَرُ كَانَ خَائِفًا مِن التتر، فَذَكَرَ كُلٌّ مِنْهُم أَنَّهُ لَمَّا اسْتَغَاثَ بِي رَآنِي فِي الْهَوَاءِ وَقَد دَفَعْت عَنْهُ عَدُوَّهُ!
فَأَخْبَرْتهمْ أَنِّي لَمْ أَشْعُرْ بِهَذَا، وَلَا دَفَعْت عَنْكُمْ شَيْئًا، وَإِنَّمَا هَذَا الشَّيْطَانُ تَمَثَّلَ لِأَحَدِهِمْ فَأَغْوَاهُ لَمَّا أَشْرَكَ بِاللهِ تَعَالَى.
وَهَكَذَا جَرَى لِغَيْرِ وَاحِدٍ مِن أَصْحَابِنَا الْمَشَايِخِ مَعَ أَصْحَابِهِمْ، يَسْتَغِيثُ