(وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ) الآية.
قال الشَّافِعِي رحمه الله تعالى: فسمعتُ من أرضى علمُه يقول: وأن احكم
بينهم إن حكمتَ على معنى قوله: (فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) الآية.
فتلك مفسًرة، وهذه مجملة، وفي قوله: (فَإِنْ تَوَلَّوْا) الآية، دلالة على أنهم إن تولوا لم يكن عليه الحكم بينهم، ولو كان قوله: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ)
إلزاماً منه للحكم بينهم، ألزمهم الحكم متولين، لأنهم إنَّما تولوا بعد الإتيان، فأما ما لم يأتوا، فلا يقال لهم تولوا، وهم والمسلمون إذا لم يأتوا يتحاكمون لم يحكم بينهم، إلا أنَّه يتفقد من المسلمين ما أقاموا عليه، مما يحرم عليهم فيغيِّر عليهم، وإن كان أهل الذمة دخلوا بقول الله عزَّ وجلَّ: (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ) الآية، في معنى المسلمين.
انبغى للوالي أن يتفقد منهم ما أقاموا عليه مما يحرم عليهم، وإن تولى عنه زوجان على حرام ردّهما، حتى يفزق بينهما، كما يرد زوجين من المسلمين لو تولَّيا عنه، وهما على حرام حتى يفرِّق بينهما.
قال الشَّافِعِي رحمه اللُّه: والدلالة على ما قال أصحابنا، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقام بالمدينة وبها يهود، وبخيبر، وفَدَك، ووادي القُرَى، وباليمن كانوا، وكذلك في زمان أبي بكر - رضي الله عنه -، وصدراً من خلافة عمر - رضي الله عنه -، حتى أجلاهم، وكانوا بالشام
والعراق واليمن ولاية عمر بن الخطاب وعثمان وعلي رضي اللَّه عنهم ولم
يسمع لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيهم بحكم، إلا رَجمه يهوديين موادعين تراضيا بحكمه بينهم، ولا لأبي بكر، ولا عمر، ولا عثمان، ولا علي، رضي الله عنهم أجمعين.