وليس للمسجدِ صورةٌ أو هيئةٌ معيَّنةٌ يُبنَى عليها؛ سواءٌ بُنِيَ مستديرًا أو مربَّعًا، أو مستطيلًا أو مثلَّثًا، وإنَّما المقصودُ أن يكونَ بناءً يَجْمَعُ الناسَ ويُكِنُّهم؛ قال البخاريُّ: "قال عمرُ: أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ المَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تُحَمِّرَ أوْ تُصَفِّرَ، فَتَفْتِنَ النَّاسَ" (١).
ولذا كانتِ الكَعْبةُ على غيرِ صفةٍ معيَّنةٍ؛ فليستْ بالمربَّعةِ ولا المستطيلةِ المستويةِ ولا المستديرةِ، فلها زوايا مِن جهةِ اليمنِ، واستدارةٌ مِن جهةِ الشامِ ناحيةَ الحِجْرِ.
والذي ينبَغي: أنْ تُتْقَنَ المساجدُ بناءً كما تُتْقَنُ البيوتُ، لا أنْ تُصفَّرَ وتُزخرَفَ؛ كما يصنعُ الناسُ في بيوتِهم؛ وإنَّما ينبَغي أنْ يكونَ البناءُ مُتقَنًا حَسَنًا كما يُتْقِنون بيوتَهم؛ فلا تكونُ مساجدُهم دونَ جَوْدةِ بيوتِهم.
فقد أخرَجَ أحمدُ؛ مِن حديثِ ابن إسحاقَ: حدَّثَني عمرُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ الزُّبَيْرِ، عن عُرْوةَ بنِ الزُّبَيْرِ، عمَّن حدَّثه مِن أصحابِ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -؛ قال: "كان رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - يأمُرُنا أنْ نَصْنَعَ المَسَاجِدَ في دُورِنَا، وأنْ نُصلِحَ صَنْعَتَها ونُطهِّرَها" (٢).
والمقصودُ بالدُّورِ في الحديثِ هنا: هو أماكنُ مجامعِ الناسِ، وهي مواضعُ القبائلِ؛ كما في الحديثِ: (خَيْرُ دُورِ الأَنْصَارِ: بَنُو النَّجَّارِ، ثُمَّ بَنُو عبدِ الأَشْهَلِ، ثُمَّ بَنُو الحَارِثِ بنِ خَزْرَجٍ، ثُمَّ بَنُو سَاعِدَةَ، وَفِي كُلِّ دُورِ الأَنْصَارِ خَيْرٌ)؛ رواهُ الشيخانِ، عن أبي أُسَيْدٍ (٣).
وبهذا فسَّرَهُ سُفْيانُ الثَّوْريُّ ووَكِيعٌ، وفيه دليلٌ على تعدُّدِ المساجدِ بحسَبِ حاجةِ الناسِ، وأنَّ ذلك واجبٌ لإقامةِ الصلاةِ.
ورفعُ قواعدِ البيتِ في الآيةِ أُرِيدَ به: إبرازُها لتُرَى فتعظُمَ في نفسِ
(١) أخرجه البخاري معلَّقًا (١/ ٩٦).
(٢) أخرجه أحمد (٢٣١٤٦) (٥/ ٣٧١).
(٣) أخرجه البخاري (٣٧٨٩) (٥/ ٣٣)، ومسلم (٢٥١١) (٤/ ١٩٤٩).