الرَّائي، على وصفٍ حَدَّهُ اللهُ لهم، لا يُزادُ عليه ولا يُنقَصُ، وذكَرَ القواعدَ لبيانِ أنَّ حَدَّها في الأرضِ موقوفٌ لا يتَّسِعُ ولا يَضِيقُ لرغبةِ أحدٍ أو لهَوَاه.
المَنَارةُ للمسجدِ:
ويُستَحَبُّ رفعُ المساجدِ وإبرارُها لتُرى وتُعرَفَ مِن القاصِدِينَ، حاضِرِينَ أو مسافِرِينَ، وأمَّا وضعُ المِئْذَنةِ للمسجدِ، وتُسمَّى: "المنارةَ"، فلم تكنْ معروفةً في زمنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ولا زمنِ الخلفاءِ الراشِدِين.
وقد ذكَرَ البَلَاذُرِيُّ في "فتوحِ البُلْدانِ": أنَّ أولَ مِئْذَنةٍ بُنِيَتْ في الإسلامِ كانتْ على يدِ زيادِ ابنِ أبيهِ عاملِ معاويةَ على البَصْرةِ عامَ خمسةٍ وأربعينَ (١).
وذكَرَ المَقْرِيزيُّ: أنَّ أولَ مآذنِ الإسلامِ: ما وُضِعَ في جامعِ عمرِو بنِ العاصِ مِن صَوَامِعَ أربعٍ فوقَهُ، بناها مَسْلَمَةُ بنُ مخلَّدٍ والي مصرَ في أولِ زمنِ بني أُمَيَّةَ، ثمَّ أصبَحَتْ علامةً للمساجدِ تُعرَفُ بها (٢).
وقد كان السلفُ في الصَّدْرِ الأولِ يؤذِّنونَ على السُّطُوحِ، وكانوا يُسمُّونَ سَطْحَ المسجدِ: "مَنَارةً"، وليس المرادُ به: ما يصطلِحُ عليه الناسُ في زمانِنا أنَّ المنارةَ هي البناءُ والأعمدةُ التي تُرفَعُ طويلًا.
ففي "المصنَّفِ" لابنِ أبي شَيْبةَ: عن عبدِ اللهِ بنِ شَقِيقٍ؛ قال: "مِن السُّنَّةِ الأذَانُ في المَنَارةِ، والإقامةُ في المسجدِ، وكان ابنُ مسعودٍ يَفعَلُه" (٣). ومرادُه بذلك: سطحُ المسجدِ.
وما يُترجِمُ عليه الأئمةُ في مصنَّفاتِهم؛ كأبي داودَ في "سننِه"؛ قال:
(١) "فتوح البلدان" (١/ ٣٣٩).
(٢) ينظر: "النجوم الزاهرة, في ملوك مصر والقاهرة" (١/ ٦٨).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٣٣١) (١/ ٢٠٣).