مسروقٍ؛ وبهذا أخَذَ بعضُ فُقهاء الظاهرِ؛ فلم يَشترِطُوا نِصابًا ولا حِرزًا، ومع ظاهرِ الآيةِ: يَعْتَضِدُونَ بقولِ ابنِ عبَّاسٍ لنَجْدَةَ الحَنَفِيِّ لمَّا سأَلَهُ عن الحُكْمِ في الآيةِ: عامٌّ أو خاصٌّ؟ فقال: بل عامٌّ (١).
واستدَلُّوا بما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي هريرةَ؛ أنَّ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (لَعَنَ اللهُ السَّارِقَ! يَسْرَقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) (٢).
وهذا الحديثُ حديثٌ عامٌّ، قد جاء ما يُبيِّنُهُ ويُخصِّصُهُ، وقيمةُ الحِبَالِ والبَيْضِ تَختلِفُ وتتبايَنُ عددًا ونوعًا، فإنْ قلَّتْ غلا ثمنُها، وإنْ كثُرثْ رخُصَ ثمنُها، ويَختلفُ ثمنُها مِن نوعٍ إلى نوعٍ، ومِن زمانٍ إلى زمانٍ بحسَبِ حاجةِ الناس، ويُسْرِهم وعُسْرِهم، وفَقْرِهم وغِنَاهُم، وظاهرُهُ: التزهيدُ في وضاعةِ السارِقِ وتفاهةِ قصدِه، وسُوءِ تدبيرِهِ أنْ يُهدَرَ دمُهُ في القليل فيُضيِّعَ عضوًا مِن أعضائِه.
وقد حمَلَ بعضُ الفقهاءِ مِن السلفِ البَيْضةَ والحبلَ في الحديثِ على بيضةِ الحديدِ وحَبْلِ السفينةِ؛ قالهُ الأعمشُ فيما حكاهُ البخاريُّ عنهُ (٣).
وفيه نظرٌ؛ فلا تُعرَفُ حبالُ السفينةِ في الحِجَاز، والأعمشُ كُوفيٌّ بعيدٌ عن عُرْفِهم، وحديثُ أبي هريرةَ إمَّا أن يكونَ عامًّا فيُخصَّصُ، وإمَّا معارَضًا فيُنسَخُ، وإمَّا مُجمَلًا فيُبيَّنُ، واللهُ أعلَمُ.
والذي عليه اتِّفاقُ الأئمَّةِ الأربعة، وهو ظاهرُ قولِ عامَّةِ السلفِ: عدمُ إطلاقِ إقامةِ حدِّ السرقةِ على كلِّ سارقٍ وفي كلِّ مسروقٍ، وقد جاء
(١) "تفسير الطبري" (٨/ ٤٠٩).
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٨٣) (٨/ ١٥٩)، ومسلم (١٦٨٧) (٣/ ١٣١٤).
(٣) أخرجه البخاري (٦٧٨٣) (٨/ ١٥٩).