في السُّنَّةِ شروطٌ في إقامةِ حدِّ القطع، وإنِ اختلَفَ كلامُ السلفِ والعلماءِ في تقدير بعضِها، إلَّا أنَّهم يُقِرُّونَ بأصلِها؛ فقد اتَّفَقَ الأئمَّةُ الأربعةُ على النِّصَابِ واختلَفُوا في تقديرِه، واتَّفَقُوا على الحِرْزِ واختلَفُوا في وَصْفِه.
شرطُ النصابِ:
فأمَّا شرطُ النِّصاب، فاختلَفُوا في تقديرِه على أقوالٍ:
الأولُ: أنه ثلاثةُ دراهمَ مضروبةٍ خالصةٍ، وهذا قولُ مالكٍ؛ أخذًا بما ثبَتَ؛ مِن حديثِ ابنِ عمرَ؛ أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَطَعَ فِي مِجَنٍّ ثَمَنُهُ ثَلَاثَةُ دَرَاهِمَ؛ رواه الشيخان (١).
وهو عملُ عثمانَ؛ حيثُ قَطَعَ في أُتْرُجَّةٍ لمَّا قيَّمَ ثَمَنَها فرآهُ قد بلَغَ ثلاثةَ دراهمَ (٢)؛ قال مالكٌ: "وهو أحَبُّ ما سمِعتُ إليَّ في ذلك" (٣)، ومرادُ مالكٍ في عملِ الخلفاء، لا عمومُ ما ورَدَ؛ فحديثُ ابنِ عمرَ أحَبُّ وأعظَمُ، وقد رَوَى مالكٌ حديثَ ابنِ عمرَ (٤) وفِعْلَ عثمانَ في "مُوطَّئِه"؛ وهي صحيحةٌ.
الثاني: أنه عشَرةُ دراهمَ؛ وهو قولُ أبي حنيفةَ وصاحبَيْهِ والثوريِّ؛ واحتجُّوا بما رواهُ ابنُ أبي شَيْبَةَ، عن ابنِ عبَّاسٍ، وعمرِو بن شُعيبٍ، عن أبيه، عن جدِّه؛ أنَّ ثمَنَ المِجَنَّ عشَرةُ دراهمَ في زمنِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - (٥)، وقد تفرَّدَ به محمدُ بن إسحاقَ، وخالَفَ الثِّقات، وحديثُهُ مُنكَرٌ.
الثالثُ: أنه رُبُعُ دِينارٍ؛ وهو قولُ الشافعيّ، وحُجَّةُ الشافعيِّ ما
(١) أخرجه البخاري (٦٧٩٥) (٨/ ١٦١)، ومسلم (١٦٨٦) (٣/ ١٣١٣).
(٢) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٢٣) (٢/ ٨٣٢)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٨٠٩٦) (٥/ ٤٧٥)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٢٦٠).
(٣) "موطأ مالك" (عبد الباقي) (٢/ ٨٣٣).
(٤) أخرجه مالك في "الموطأ" (عبد الباقي) (٢١) (٢/ ٨٣١).
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٨١٠٤) و (٢٨١٠٥) (٥/ ٤٧٦).