يَصْرِفَهُ اللهُ - عز وجل - إلى الكَعْبةِ، حتى صرَفَهُ اللهُ إليها (١).
وفي قولِه: {فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا}: إشارةٌ إلي أنَّ النبيَّ - صلي الله عليه وسلم - امتثَلَ أمرَ اللهِ، مع أنَّ نَفْسَ النبيِّ تُحِبُّ التوجُّهَ إلي المسجدِ الحرامِ أكثَرَ، وأنَّ رَغْبةَ النفسِ وإنْ كانتْ مِن نبيٍّ ينبَغي ألَّا تصيِّرَه إلى خلافِ ما يريدُهُ اللهُ، وأنَّ التفاضُلَ بينَ الأعمالِ يحكُمُهُ اللهُ وليس النفوسَ، وكثيرًا ما تميلُ النفسُ إلي قولٍ فتلتقِطُ له مؤيِّداتٍ من الدلائلِ والقرائنِ حتى تثقُلَ كِفَّتُه، ولو مالتْ إلي غيرِهِ، لَفَعَلَتْ مِثلَ ذلك، وهكذا يدورُ الدِّينُ والرأيُ في فلَكِ الهَوَى ولا يشعرُ الإنسانُ بذلك.
وقولُهُ تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}: إشارةٌ إلى وجوبِ استقبالِ الجميعِ للقِبْلةِ؛ الإمامِ والمأمومِ والمنفرِدِ، قائمًا وقاعدًا وعلي جنبٍ, حسَبَ الاستطاعةِ والطاقةِ، ويخرُجُ من ذلك النافلةُ في السفرِ؛ لفعلِه عليه الصلاةُ والسلامُ.
فيجبُ علي المأمومِ أنْ يستقبِلَ عَيْنَ القِبْلةِ مع الإمامِ عندَ رؤيتِها، ويجبُ علي الجميعِ استقبالُ الجهةِ عندَ البُعْدِ عنها.
وقولُه: {شَطْرَهُ}؛ يعني: نحوَهُ وجِهَتَهُ؛ ثبَتَ هذا عن عمرِو بنِ دينارٍ، عن ابنِ عباسٍ (٢)، وابنِ أبي نَجِيحٍ، عن مجاهدٍ (٣)؛ رواهُ ابنُ جريرٍ عنهم، وعن آخَرِين (٤).
وإنَّما كان النبيُّ يُحِبُّ استقبالَ المسجِدِ الحرامِ؛ لأنَّ اليهودَ فَرِحُوا باستقبالِ النبي لقِبْلَتِهم وَيعْجَبُونَ مِن استقبالِهِ لها، مع أنَّه يُخالِفُهم؛ رُوِيَ هذا عن ابنِ عباسٍ (٥)، ومجاهدٍ (٦)، وغيرِهما؛ ولذا
(١) "تفسير الطبري" (٢/ ٦٥٦).
(٢) "تفسير الطبري" (٢/ ٦٦١).
(٣) "تفسير الطبري" (٢/ ٦٦٠).
(٤) "تفسير الطبري" (٢/ ٦٦٠ - ٦٦١).
(٥) "تفسير الطبري" (٢/ ٤٥٠).
(٦) "تفسير الطبري" (٢/ ٦٥٧).