فقال: إنِّي سقيمٌ لا أستطيعُ الخروجَ، وجعَلَ ينظُرُ إلى السماءِ، فلمَّا خرَجُوا، أقبَلَ علي آلهتِهِمْ فكسَّرَها (١).
ونظرُهُ إلي السماءِ توكُّلٌ وافتقارٌ، وطلبُ إعانةٍ وكفايةٍ.
وقد ذكَرَ اللهُ في هذه الآيةِ: أنَّ سببَ تغييرِ القِبلةِ لنبيِّهِ تقلُّبُ وجهِهِ في السماءِ، وخصَّ اللهُ نبيَّه بأمرِ الاستقبالِ؛ بقولِه تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}؛ إكرامًا له، ثمَّ عمَّمَ الخطابَ للأمَّةِ، وإنْ كانتْ داخلةً في أمرِهِ تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ}.
ولم تتحوَّلِ القِبْلةُ إلا مع طولِ سؤالٍ وتضرُّعٍ وطولِ نَظَرٍ في السماءِ؛ ولذا قال تعالى: {تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}؛ يعني: رَفْعَهُ وإدارتَهُ مراتٍ ومراتٍ.
تكرارُ الدعاءِ والإلحاحُ به:
وفي هذا: مشروعيةُ تَكْرارِ السؤالِ والإلحاحِ بالدعاءِ، وعدمُ اليأسِ من الإجابةِ، فإذا كان هذا لنبيِّ، فكيف لغيرِه؟ ! فللَّهِ حِكَمٌ وغاياتٌ محمودةٌ بتأجيلِ إجابةِ دعوةِ عبدِه، منها ما يختصُّ بالأمرِ الذي دعا بتحقيقِه؛ فاللهُ يختارُ لعبدِهِ عندَ الإجابةِ أصلَحَ الزمنِ لا أسرعَهُ، ومنها ما يتعلَّقُ بالعبدِ نفسِه؛ فالدعاءُ عظيمٌ وعبادةٌ جليلةٌ، وربَّما احتاجَ إلى التضرُّعِ؛ لِيَعْظُمَ أَجْرُه، ويزولَ كِبْرُه، وتُنَقَّى نفسُه، وتتهذَّبَ سريرتُه بطولِ الانكسارِ؛ فيتحقَّقُ له بذلك أمورٌ عظيمةٌ وهو يُريدُ أمرًا واحدًا، وربَّما كان ذلك سببًا لتعجيلِ خيرٍ آخَرَ يَدْعُو به بنفسٍ مُقْبِلةٍ هذَّبَها دعاؤُها السابقُ.
روى ابنُ جريرٍ، عن مَعْمَرٍ، عن قتادةَ؛ في قولِه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}؛ قال: كان - صلى الله عليه وسلم - يُقلِّبُ وجهَهُ في السماءِ، يُحِبُّ أنْ
(١) "تفسير ابن أبي حاتم" (١٠/ ٣٢٢٠).