بأخذِ لِباسٍ يستُرُهُمْ مِن لباسِ قريشٍ؛ إمَّا شِرَاءً أو عَارِيَّةَ، أو يطُوفُونَ عُراةً، كما عند مسلمٍ والبخاريّ، عن هشامِ بنِ عُرْوةَ، من أبيهِ؛ قال: كَانَتِ الْعَرَبُ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرَاةً، إِلَّا الْحُمْسَ، وَالْحُمْسُ قُرَيْشٌ وَمَا وَلَدَتْ، كَانُوا يَطُوفُونَ عُرَاةً، إِلَّا أَنْ تُعْطِيَهُمُ الحُمْسُ ثِيَابًا، فَيُعْطِي الرِّجَالُ الرِّجَالَ، وَالنِّسَاءُ النِّسَاءَ (١).
وصحَّ نحوُهُ عن الزُّهْريِّ.
ويُروى أنَّ قريشًا كانت تقولُ: نحنُ أهلُ الحَرَم، فلا ينبغي لأحدٍ مِن العربِ أنْ يطُوفَ إلَّا في ثِيَابِنا، ولا يأكُلَ إذا دخَلَ أرضَنا إلَّا مِن طعامِنا (٢).
وليس فعلُ قريشٍ هذا على أَثَارَةٍ مِن سَلَفِ لهم؛ وإنَّما جاهليَّةٌ ابتدَعُوها؛ لتُعظِّمَهُمُ العربُ، ويَسُودُوا عليهم بالجاهِ والمالِ.
وقول اللهِ تعالى في الآيةِ: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ}، جعَلَ الخِطابَ فيه لبني آدمَ؛ تذكيرًا لهم بحالِ أبيهِم آدمَ ومَكْرِ إبليسَ به وبزوجِهِ حتى انكشَفَت سَوْءَاتُهما، التي قد ذكَرها اللهُ قريبًا في هذه السورة، وأنَّ فِعْلَ كفَّارِ قريشٍ مِن تسويلِ الشيطانِ مِن جنسٍ، ما فعَلَهُ بأبيهِم، وفِعْلُهُمْ أعظَمُ؛ لأنَّ آدمَ لم يَكشِفْ سَوْءَتَهُ بنفسِه؛ وإنَّما عُوقِبَ بكَشفِها، وقريشٌ فعَلَتْ ذلك تديُّنًا وتعبُّدًا, وفي حَرَمِ الله، وأمامَ الناظِرِين.
وفي الخِطابِ بـ {يَابَنِي آدَمَ}، تذكيرٌ بأنَّ السترَ واللِّباسَ فِطْرةٌ آدميَّةٌ تشتركُ فيها جميعُ البشريَّة، لا تحتاجُ إلى دليلٍ مِن الوحيِ يُثْبِتُها، ولو رجَعُوا إلى فِطْرتِهِمْ بعقولِ صحيحةٍ، لَوَجَدُوا ذلك وبان لهم تَعَدِّيهِم.
(١) أخرجه البخاري (١٦٦٥)، ومسلم (١٢١٩).
(٢) "تفسير القرطبي" (٩/ ١٩٢).