السماءِ عدَ دعائِه، وقد ثبَت ذلك في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ المِقْدَادِ؛ قال: رفَعَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاء، فَقُلْتُ: الآنَ يَدْعْو عَلَيَّ فأَهْلِكُ! فَقَالَ: (اللَّهُمَّ أطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي) (١).
ولكنَّ رفعَ البصرِ في الصلاةِ منهيٌّ عنه ولو كان حالَ دعاءٍ وثناءٍ على الله، والنظرُ إلى السماءِ والتفكُّرُ فيها عبادةٌ؛ كما في قولِهِ تعالى: {أَفَلَا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) وَإِلَى السَّمَاءِ كَيْفَ رُفِعَتْ} الغاشية: ١٧ - ١٨، وكان النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - يَرفعُ بصرَهُ إلى السماءِ كثيرًا كما في "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أبي موسى (٢)، والنظرُ إليها والتفكُّرُ فيها يُورِثُ هَيْبةً لخالِقِها, وتعظيمًا له، وتواضُعًا وكَسْرَا للنَّفْسِ.
* * *
قال تعالى: {يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} الأعراف: ٣١.
نرَلَت هذه الآيةُ في حالِ العربِ في الجاهليَّةِ؛ أنَّهم كانوا يَقصِدُونَ الكَعْبَةَ عُرَاةً، ويطُوفونَ عندَها بلا لِباسٍ؛ فأنزَلَ اللهُ على نبيِّه هذه الآيةَ؛ كما صحَّ مِن حديثِ ابنِ عبَّاسٍ؛ كما في مسلم وغيرِه، عنه؛ قال: كَانُوا يَطُوفُونَ بِالْبَيْتِ عُرَاةٌ، الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ؛ الرِّجَالُ بِالنَّهَار، وَالنِّسَاءُ بِاللِّيْلِ، وَكَانَتِ المَرْأَةُ تَقُولُ:
أَلْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَو كُلُّهُ ... وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ (٣)
وكانت قريشٌ لا تَفعَلُ ذلك هي ومَنْ حالَفَها، وأمَّا غيرُهُمْ مِن قبائلِ العربِ الذين يأتُونَ مِن اليمنِ وغيرِها كالأعراب، فقد كانوا يُؤمَرونَ
(١) أخرجه مسلم (٢٠٥٥).
(٢) أخرجه مسلم (٢٥٣١).
(٣) أخرجه مسلم (٣٠٢٨)، والطبري في "تفسيره" (١٠/ ١٥٠)؛ واللفظ له.