يُفرِّق بينَ السرِّيَّةِ والجهريَّةِ إلَّا لذلك، ولا يَصِحُّ مِن جهةِ النظرِ ولا الشرعِ أنْ يُؤمَرَ أحدٌ بالجهرِ ومَن خَلْفَهُ بقراءةٍ مخالِفةٍ له في أنفُسِهِمْ، ثم يُؤمَرونَ بالخشوعِ جميعًا، والقولُ بوجوبِ القراءةِ في الجهريَّةِ لازمٌ لعدمِ اعتبارِ الخشوعِ في الصلاةِ بالنسبةِ للمأمومِ؛ فلا يحضُرُ قلبُ مَن يَتكلَّمُ في نفسِهِ وَيسمعُ مَن يَجْهَرُ بخلافِه.
القراءةُ خلفَ الإمامِ عند الصحابةِ:
وقد كان الصحابةُ -رضي الله عنه- لا يَقرَؤونَ خلفَ الإمامِ في الجهريَّة، وجَرَى على ذلك عملُ عامَّتِهم.
صحَّ ذلك عن ابنِ مسعودٍ وابنِ عمرَ وابنِ عبَّاسٍ وجابرِ بنِ عبد اللهِ وأبي هريرةَ وأبي الدَّرداءِ وغيرِهم.
فقد روى أبو وائل، عن ابنِ مسعودٍ؛ قولَهُ: "أَنْصِتُ لِلْقُرْآن، فَإِنَّ فِي الصَّلاةِ شُغلًا، وَسَيَكفِيكَ ذَاكَ الْإِمَامُ" (١).
ورَوَى نافعٌ، عن ابنِ عمرَ؛ أنه قال: "يَكفِيكَ قِرَاءَةُ الإِمَامِ" (٢)، وكان ابنُ عمرَ لَا يَقرَأُ خَلْفَ الإِمَامِ (٣).
وتابَعَه بمعناهُ سالمٌ (٤).
وصحَّ عن زيدٍ؛ كما رواهُ مسلمٌ، عن عطاءِ بنِ يسارٍ؛ أنه سألَ زيدَ بنَ ثابتٍ عن القراءةِ مع الإمامِ؛ فقال: "لَا قِرَاءَةَ مَعَ الإِمَامِ فِي شَيْءٍ" (٥).
(١) أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٨٠٣)، والطبراني في "الكبير" (٩٣١١)، والبيهقي في "الكبرى" (٢/ ١٦٠).
(٢) أخرجه الدارقطني في "سننه" (١/ ٤٠٢).
(٣) أخرجه مالك في "الموطأ" (١/ ٨٦).
(٤) أخرجه البيهقي في "القراءة خلف الإمام" (٣٣٠).
(٥) أخرجه مسلم (٥٧٧).