الكفرِ وأمَّة الإسلام، ويَظهَرُ إعجابُ المُسلِمِينَ بالكافِرِينَ، وَيضعُفُ الولاءُ للمؤمنينَ والبَراءُ مِن الكافرينَ، وتَكثُرُ الرِّدَّةُ فضلًا عن الفِسْقِ.
وإنْ جازَ ذلك مِن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - زمَنَ تكالُبِ الناسِ عليه، وقِلَّةِ عددِ المؤمنينَ وعَتادِهم، فإنَّ اللهَ نسَخَهُ ورفَعَ العهدَ المطلَقَ لمَّا ظهَرَ للمُسلِمينَ قوَّةٌ ولهم سُلْطانٌ يُهابُ وَيَرْعَبُ.
وقد رفَعَ اللهُ العهدَ المطلَقَ عمَّن صالَحَهُ وعاهَدَهُ ولم ينقُضْ عهدَهُ، فضلًا عمَّن عاهَدَ ونقَضَ وظَنَّ بقاءَ عهدِه، وقد عاهَدَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - أقوامًا؛ كقُرَيْشٍ وبني بكرٍ وخُزَاعةَ.
وفي قولِه تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} عِظَمُ العهدِ عندَ البيتِ وفي الحَرَمِ؛ فإنَّ العَهْدَ والأَيْمَانَ قد تعظُمُ في زمَنٍ فاضلٍ كبَعْدِ العصرِ ويومِ الجُمُعةِ وكلِّ زمَنٍ دلَّ دليلٌ على فضلِه، وكذلك في المكانِ الفاضلِ؛ كالحَرَمِ والمساجِدِ ومِنبَرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -.
ومَن عاهَدَهمُ النَّبيُّ عندَ المسجِدِ الحرام، قال ابنُ عبَّاسٍ: هم قريشٌ وأهلُ مَكَّةَ (١)، وبِنَحْوِهِ قال قتادةُ: أهلُ الحُدَيْبِيَةِ (٢)؛ فقد كان الصُّلْحُ بينَ الحِلِّ والحرَم، وقال مجاهدٌ: هم خُزَاعةُ (٣)، وقال السُّدِّيُّ: هم بنو جَذِيمَةَ (٤)، وقال ابن إسحاقَ: بنو بكرٍ (٥).
وكلُّ مَنْ له عهدٌ سابقٌ فهو داخِلٌ في هذه الآية، وتخصيصُ المسجدِ الحرامِ؛ لبيانِ خصيصتِه، وتعظيمِ قدرِ العهدِ فيه.
وفي هذه الآيةِ: أنَّ عمومَ الأمكِنةِ في قولِه تعالى: {وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ
(١) "تفسير الطبري" (١١/ ٣٥١ - ٣٥٢)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٧٥٧).
(٢) تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٧٥٧).
(٣) "تفسير الطبري" (١/ ٣٥٣).
(٤) "تفسير الطبري" (١١/ ٣٥٠)، و "تفسير ابن أبي حاتم" (٦/ ١٧٥٦).
(٥) "تفسير الطبري" (١١/ ٣٥١).