ثَقِفْتُمُوهُمْ} البقرة: ١٩١ يُستَثْنى منه الحرَمُ لتعظيمِه، وقد تقدَّمَ الكلامُ على حُكْمِ القتالِ في الحرَم، وإقامةِ الحدودِ والعقوباتِ فيه عندَ قولِهِ تعالى: {وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ} البقرة: ١٩١.
وكذلك فإنَّ عمومَ الأزمةِ في قتالِ الكفارِ استُثْنِيَ منه الأشهُرِ الحرُمُ وأشهُرُ التسيير، وقد تقدَّمَ الكلامُ على نَسْخِ القتالِ في الأشهُرِ الحُرُمِ عندَ قولِهِ تعالى: {الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ} البقرة: ١٩٤، وقولِهِ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ} البقرة: ٢١٧ , وقولِهِ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ} المائدة: ٢.
* * *
قال تعالى: {وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ} التوبة: ١٢.
في هذه الآيةِ: الأمرُ بمُبادَرةِ قتالِ ناقِضِ العهدِ؛ لأنَّ تَرْكَ ناقضِ العهد، وإمضاءَ عهدِه وسَلْمِهِ له بعدَ ذلك: يُجرِّئُهُ على انتهاكِ حُرْمةِ العهودِ عامَّةً، وحُرْمةِ المُسلِمينَ خاصَّةً، ومُبادَرَتُهُ بالقتالِ عندَ القدرةِ عليه, ونبذُ عهدِهِ إليه علانيَةً كما يَفعَلُ سِرًّا: زجرٌ له وترهيبٌ لأمثالِه، وتقويةٌ لشَوْكةِ المؤمنينَ؛ حتَّى لا يُظَنَّ بهم أنَّهم إنَّما يُعاهِدونَ عن ضَعْفٍ وحبٍّ للدُّنيا وركونٍ إليها.
العهودُ للمَصَالِحِ الدُّنْيَوِيَّةِ:
وفي الآيةِ: تنبيهٌ للمؤمنينَ أن يَعلَموا أنَّ حِفْظَ دينِ اللهِ أعظَمُ مِن حِفظِ دُنياهم، وأنَّهم وإنْ عاهَدوا على الدُّنيا لِمَصْلَحةٍ رأَوْها، فإنَّه يَجِبُ أن تكونَ عهودُهم ومواثيقُهمُ الدنيويَّةُ مَرَدُّها إلى صلاحِ دِينِهم؛ يتَقوَّوْنَ