وقد جاء النهيُ عن الانتفاعِ بجميعِ المَيْتةِ، كما في "السُّنَنِ"؛ مِن حديث ابنِ عُكَيْمٍ: أتانا كتابُ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قبلَ وفَاتِهِ بشهرٍ: "أنْ لَا تَنتَفِعُوا مِنَ المَيْتةِ بِإِهَابٍ وَلَا عَصَبٍ" (١).
والحديثُ معلولٌ، وفي إسنادِه ومتنِهِ اضطرابٌ واختلافٌ.
وابنُ عُكَيْمٍ لم يَسمعْ من النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - شيئًا؛ قال البخاريُّ في "تاريخِهِ الكبيرِ": "عبدُ اللهِ بنُ عُكَيْمِ أدرَكَ زمانَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ولا يُعرَفُ له سماعٌ صحيحٌ".
وقال بهذا أبو حاتمٍ وأبو زُرْعةَ وغيرُهما (٢).
ووصَفَ الحازميُّ الحديثَ بالاضطرابِ في كتابِه "الاعتبارِ" (٣).
وعملُ الناسِ به قليلٌ، ولو كان النصُّ ثابتًا في كتابٍ للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم - بهذا اللفظِ والمعنى، الذي أُخِدَ منه منعُ الانتفاعِ مطلقًا، لعمِلَ به الناسُ واستفاضَ.
قال الترمذيُّ، في حديثِ ابنِ عُكَيْمٍ: "وليس العملُ على هذا عندَ أكثرِ أهلِ العلمِ" (٤).
وكان أحمدُ بنُ حنبلٍ يحتجُّ بهذا الحديثِ ثمَّ تَرَكَهُ؛ قال الترمذيُّ: "وسمِعتُ أحمدَ بنَ الحسنِ يقولُ: كان أحمدُ بنُ حنبلٍ يذهبُ إلى هذا الحديثِ؛ لِما ذكرَ فيه: "قبلَ وفاتِهِ بشهرَيْنِ"، وكان يقولُ: كان آخِرَ أمرِ النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ثمَّ تركَ أحمدُ بنُ حنبلٍ هذا الحديثَ؛ لمَّا اضطرَبُوا في إسنادِه، حيثْ رَوَى بعضُهم، فقال: "عن عبدِ اللهِ بنِ عُكَيْمٍ، عن أشياخٍ
(١) أخرجه أبو داود (٤١٢٧) (٤/ ٦٧)، والترمذي (١٧٢٩) (٤/ ٢٢٢)، والنسائي (٤٢٤٩) (٧/ ١٧٥)، وغيرهم.
(٢) ينظر: "التاريخ الكبير" للبخاري (٥/ ٣٩)، و"علل ابن أبي حاتم" (١/ ٥٩٢).
(٣) ينظر: "الاعتبار، في الناسخ والمنسوخ من الآثار" (١/ ٥٦).
(٤) ينظر: "سنن الترمذي" (٤/ ٢٢٢).