وذِكرُ اللَّهِ تعالى للخيلِ والبِغَالِ والحَمِيرِ وتخصيصُها بالركوبِ: دليلٌ على أنَّ السابقَ منِ الأنعامِ لا يُركَبُ، وهي الغنمُ والبقرُ، وأمَّا الإبلُ، فتُركَبُ وتَحمِلُ الأثقالَ بلا خلافٍ، وإنَّما لم يَذكُرْها اللَّهُ تعالى فيما يُركَبُ؛ لأنَّ النِّعْمةَ فيها بما تشرِكُ فيه مع غيرِ المركوبِ أظهَرُ، وهي استعمالُ الجلودِ والصُّوفِ وحملُ الأثقالِ؛ فهو أكثرُ مِن الانتفاعِ مِن رُكوبِها، وأمَّا الخيلُ والبغالُ والحميرُ، فيُنتفَعُ منها بالركوبِ أكثَرَ.
لُحُومُ الخَيْلِ والحَمِرِ والبِغَالِ:
وقد استدَلَّ بعضُ الفقهاءِ بقولِهِ وتعالى: {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا} على عدمِ جوازِ أكلِ لحومِ الخبلِ والبغالِ والحميرِ، ولا الانتفاعِ بجلودِها، وهذه الآيةُ ليستْ صريحةً في ذلك؛ لأنَّ ذِكْرَها في سياقِ الركوبِ هو كذِكْرِ الجَمَالِ في سياقِ حَمْلِ الأثقالِ: لا يعني أنَّه لا يجوزُ ركوبُها.
وقد اختلَفَ العلماءُ في لحومِ الخَيْلِ على قولَيْنِ:
وأكثرُ العلماءِ: على حِلِّ لحومِها.
خلافًا لأبي حنيفةَ وقولٍ لمالكٍ؛ فقد كرِهها، والمعتمَدُ في مذهبِه تحريمُها.
والصوابُ: حِلُّها؛ فقد أكَلَها النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُهُ؛ كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ -رضي اللَّه عنهما- قالتْ: "نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فَرَسًا، فَأَكَلْنَاهُ" (١).
وقد رَوى الدارقطنيُّ؛ مِن حديثِ جابرٍ -رضي اللَّه عنه-؛ قال: "سافَرْنا مَعَ رسولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فكنَّا نأكُلُ لحومَ الخَيلِ ونَشْرَبُ أَلْبَانَها" (٢).
(١) أخرجه البخاري (٥٥١٠)، ومسلم (١٩٤٢).
(٢) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٤/ ٢٨٨).