وأمَّا الحميرُ، فالحميرُ على نوعَيْنِ: أهليَّةٌ ووحشيَّةٌ، والمقصودُ في الآيةِ الحُمُرُ الإنسيَّةُ؛ لأنَّ الوحشَّةَ لا تُركَبُ؛ لأنَّها تَنفِرُ مِن الناسِ، واللَّهُ ذكَرَ في الآيةِ نعمةَ الركوبِ، والحُمُرُ الأهليَّةُ يحرُمُ أكلُها، وقد حَكَى الإجماعَ على ذلك بعضُهم؛ كابنِ عبدِ البَرِّ (١)، وغيرِه، وقد ثبَتَ في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ جابرِ بنِ عبدِ اللَّهِ -رضي اللَّه عنهما-؛ قال: "نهَى النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- عَنْ لُحُومِ الحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ" (٢).
ومِثلُه عندَهما مِن حديثِ أبي ثَعْلَبةَ (٣).
وعلى ذلك عملُ الصحابةِ في تحريمِ أكلِ لحومِ الحُمُرِ الأهليَّةِ؛ كما قال أحمدُ: "خمسةَ عشَرَ مِن أصحابِ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- كرِهوها" (٤).
وأمَّا حمارُ الوحشىِ، فحلالٌ أكلُهُ، وقد أكَلَهُ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- وأصحابُه، كما في "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي قَتَادَةَ -رضي اللَّه عنه-؛ أنَّه صادَ حمارًا وحشيًّا وأتى بقطعةٍ منه للنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فأكَلَ منه، وقال لأصحابِهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (هُوَ حلَالٌ؛ فكُلُوهُ) (٥).
وأمَّا حمارُ الوحشِ الذي يَسَتأهِلُ، فيَبقى على أصلِهِ في حِلِّه، وحمارُ الأهلِ إذا توحَّشَ يَبقى على أصلِه في تحريمِه؛ كما قال الشافعيُّ؛ لأنَّ خُلُقَ الحُمُرِ الأهليَّةِ يُبابِنُ خُلُقَ الحُمُرِ الوحشيَّةِ مُبايَنَةَ يَعرِفُها أهلُ الخِبْرةِ بها.
وأمَّا البِغالُ: فهي ما تولَّدَ من أصلَيْنِ محرَّمٍ ومباحٍ، أو مِن مباحَيْنِ، فإنْ تولَّدَ مِن مباحَيْنِ؛ كأنْ تكونَ أمُّهُ فرسًا وأبوه حمارَ وَحْشٍ، فهو
(١) "التمهيد" (١٠/ ١٢٣).
(٢) أخرجه البخاري (٤٢١٩)، ومسلم (١٩٤١).
(٣) أخرجه البخاري (٥٥٢٧)، ومسلم (١٩٣٦).
(٤) "المغني" (١٣/ ٣١٧).
(٥) أخرجه البخاري (١٨٢٣)، ومسلم (١١٩٦).