"تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَمَا تُدْعَى رِبَاعُ مَكَّةَ إِلَّا السَّوَائِبَ؛ مَنِ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ" (١).
وهو مرسَلٌ ضعيفٌ.
وبما روى عبدُ اللَّهِ بنُ عمرٍو -رضي اللَّه عنهما-؛ قال: قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (مَكَّةُ مُنَاخٌ؛ لَا تُبَاعُ رِبَاعُهَا، وَلَا تُؤَاجَرُ بُيُوتُهَا)؛ أخرَجَهُ الدارقطنيُّ (٢)، وفيه جهالةٌ، وروَى نحوَهُ عن عبدِ اللَّهِ بنِ عمرٍو، ولا يصحُّ رفعُهُ (٣).
وأمَّا ما رواهُ أحمدُ وأهلُ "السُّننِ"؛ مِن حديثِ عائشةَ؛ قالتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نَبْنِي لَكَ بِمِنًى بَيْتًا أَوْ بِنَاءً يُظِلُّكَ مِنَ الشَّمْسِ؟ فَقَالَ: (لَا، إِنَّمَا هُوَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ إِلَيْهِ) (٤)، فهو في أماكنِ المَناسِكِ؛ فمِنًى مِن مواضعِ النُّسُكِ كعَرَفةَ ومُزْدَلِفَةَ والمَسْعَى ومَرْمَى الجِمَارِ: لا تُملَكُ، وإنَّما كلامُ الفقهاءِ عامَّتُهُ في رِبَاعِ مكَّةَ، لا في مَناسِكِها.
الثالثُ: مذهبُ أحمدَ: أنَّها تُملَكُ وتُوَرَّثُ وتُباعُ، لكنَّها لا تُؤجَّرُ؛ فمَن استغنى عنها أسكَنَها؛ وبهذا قال ابنُ تيميَّةَ.
وقال قومٌ بالكراهةِ، فأجازوا البيعَ على كراهةٍ فيه؛ وهذا مرويٌّ عن مالكٍ وغيرِه.
والأظهَرُ: جوازُ بيعِ دُورِ مكَّةَ ورِبَاعِها وإجارَتِها، وقد كان الصحابةُ ومَن بعدَهم يَبْنُونَ دُورًا ويَبيعونَها ويُؤْجِرونَها، ولو كان النهيُ صريحًا لجميعِ رِباعِ مَكَّةَ، لكان واردًا بنصٍّ قطعيٍّ يجري عليه عملُ الصحابةِ ولا يَختِلِفونَ فيه، فقد كان بمكَّةَ جماعةٌ مِن الصحابةِ، ولم يثبُتْ عنهم القطعُ
(١) أخرجه ابن ماجه (٣١٠٧).
(٢) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٣/ ٥٨).
(٣) أخرجه الدارقطني في "سننه" (٣/ ٥٧).
(٤) أخرجه أحمد (٦/ ١٨٧)، وأبو داود (٢٠١٩)، والترمذي (٨٨١)، وابن ماجه (٣٠٠٦) و (٣٠٠٧).