بذلك، ثمَّ إنَّ البيعَ كالمِيراثِ، وثبَتَ أنَّ أهلَ مكَّةَ يَتوارَثونَ، والإرثُ انتقالُ المِلْكِ مِن شخصٍ لشخصٍ، والبيعُ مِثلُهُ ولكنْ باختلافِ السببِ، وفي المنعِ مِن بيعِ دُورِ مكَّةَ ورِباعِها مِن الضِّيقِ والحرَجِ ما اللَّهُ به عليمٌ.
والناسُ يَتوارَثونَ ويَتبايَعونَ مَساكنَ مكَّةَ ودُورَها إلى اليومِ، وعملُهم الشائعُ في كلِّ القرونِ عليه.
وقد بيَّن اللَّهُ عَظَمَةَ الصَّدِّ عن المسجدِ الحرامِ في مواضعَ؛ منها قولُه تعالى: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} الأنفال: ٣٤.
وتقدَّم الكلامُ على تعظيمِ المسجدِ الحرامِ، وحُرْمةِ الصدِّ عنه وقطعِ الطريقِ إليه، في مواضعَ؛ منها عندَ قولِهِ تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ} البقرة: ٢١٧.
وقولُه تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} لِعَظَمةِ البيتِ جعَلَ اللَّهُ مَن هَمَّ بظُلْمٍ فيه مستحِقًّا للعقوبةِ ولو لم يَفعَلْ، وقد فسَّر بعضُ السلفِ -كابنِ عبَّاسٍ ومجاهدٍ- الظُّلمَ في الآيةِ: بالشِّرْكِ (١).
وقد تقدَّمَ الكلامُ على أمانِ مكَّةَ وحُرْمتِها، وما وقَعَ فيها مِن شدائدَ وقتلٍ، وما يقَعُ فيها بعدَ ذلك، عندَ قولِهِ تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا} البقرة: ١٢٥.
* * *
(١) "تفسير الطبري" (١٦/ ٥٠٧).