الكلامُ على حُكمِ بَذْلِ السلامِ وأحوالِهِ وفضلِهِ ومَراتبِه عندَ قولِهِ تعالى: {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا} النساء: ٨٦.
السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ وصفَتُهُ وعددُهُ:
ويُشرَعُ السلامُ عندَ دخولِ البيوتِ، ويكونُ ثلاثًا بما يُسمِعُ به أهلَ البيتِ، ما لم يكنْ داخلًا على واحدٍ بعينِهِ ليس في الدارِ غيرُهُ فيكفي مرةً واحدةً، وفي "الصحيحِ"؛ مِن حديثِ أنس -رضي اللَّه عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- كَانَ إِذَا سَلَّمَ، سَلَّمَ ثَلَاثًا، وإذَا تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ، أَعَادَهَا ثَلَاثًا" (١).
وفد زار رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- سعدَ بنَ عُبَادةَ، فقال: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)، فلم يَرُدُّوا، ثمَّ قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)، فلم يَرُدُّوا، ثمَّ قال رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-: (السَّلَامُ عَلَيكُمْ)؛ فانصرَفَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلمَّا فقَدَ سعدٌ تسليمَهُ، عرَفَ أنَّه قد انصرَفَ، فخرَجَ سعدٌ في أثرِهِ حتى أدرَكَهُ، فقال: وعليكم السَّلَامُ يا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّما أَرَدْنا أن نَستكثِرَ مِن تسليمِكَ، وقد واللَّهِ سَمِعْنا، فانصرَفَ رسولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- مع سَعْدٍ حتى دخَلَ بيتَه (٢).
ولا يكفي الاستئذانُ عن السلامِ، وقد كان السلفُ يَعُدُّونَ السلامَ مِفْتاحَ الدخولِ، والسلامُ قد ينوبُ عن الاستئذانِ، ولكنَّ الاستئذانَ لا ينوبُ عن السلامِ؛ فقد رَوَى عطاءٌ؛ قال: "سمعتُ أبا هريرةَ يقولُ: إذا قال: أأدخلُ؟ ولم يُسلِّمْ، فقل؛ لا، حتى تأتيَ بالمفْتاحِ، قلتُ: السلامُ؟ قال: نَعَمْ"؛ رواهُ البخاريُّ في "الأدبِ" (٣).
ورَوَى صالحٌ البغدادي؛ قال: "بَعَثَنِي أَهْلِي الَى سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ
(١) أخرجه البخاري (٦٢٤٤).
(٢) أخرجه أحمد (٣/ ٤٢١)، وأبو داود (٥١٨٥)، والنسائي في "السنن الكبرى" (١٠٠٨٤).
(٣) أخرجه البخاري فى "الأدب المفرد" (١٠٨٣).