أَتَى بَابَ قَوْمِ، لَمْ يَسْتَقْبِلِ الْبَابَ مِن تِلْقَاءِ وَجْهِهِ، وَلَكِنْ مِن رُكْنِهِ الْأَيْمَنِ أَوِ الْأَيْسَرِ، وَيَقُولُ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)؛ وَذَلِكَ أَنَّ الدُّورَ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ سُتُورٌ (١).
ويكونُ ذلك بطلبِ الإذنِ بالدخولِ؛ كقولِه: (أأدخُلُ)، أو رفعِ الصوتِ بالنحنحةِ، ويدخُل في ذلك كلُّ صوتٍ أو كلامٍ مُشعِرٍ بوجودِ مُستأذِنٍ للدخولِ؛ لاختلافِ أعرافِ أهلِ البُلْدانِ في ذلك.
ويكونُ الاستئذانُ ثلاثًا لا أكثَرَ مِن ذلك؛ حتى لا يكونَ مؤذِيًا لهم؛ فقد يكون أهلُ البيتِ نيامًا أو في شُغْلٍ، وفي "الصحيحَيْنِ"؛ مِن حديثِ أبي سعيدٍ؛ قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: (إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلَاثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ، فَليَرْجِعْ) (٢)، وأمَّا إطالةُ الاستئذانِ فوقَ ثلاثٍ، فلا يجوزُ إلَّا مِن ضرورةٍ؛ كنذيرِ القومِ، وصاحِبِ النازلةِ المستجيرِ منها.
ورخَّص مالكٌ في الزيادةِ في الاستئذانِ فوقَ ثلاثٍ لمَن عَلِمَ أنَّه لم يُسمَعْ، فلا يَرَى بأسًا أن يَزِيدَ إذا استيقَنَ أنَّه لم يُسمَعْ.
ويَلحَقُ بالاستئذانِ ثلاثًا الاتصالُ عبرَ وسائلِ الاتصالِ، فيكونُ ثلاثًا لا يُجاوِزُها؛ لأنَّ الاتصالَ في حُكمِ الاستئذانِ لا يكونُ فوقَ ثلاثٍ.
ويسقُطُ الاستئذانُ للدخولِ لِمَنْ دُعِيَ، فجاء مُجِيبًا في الزمانِ والمكانِ الذي دُعِيَ فيه، وقد رَوَى أبو الأحوصِ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ؛ قال: "إذا دُعِيتَ، فهو إِذْنُك؛ فسَلِّمْ ثمَّ ادخُلْ" (٣).
وقولُه تعالى: {وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} فيه مشروعيَّةُ السلامِ عندَ دخولِ البيوتِ؛ إشعارًا لهم بالأمانِ والطُّمَأْنِينةِ مِن الداخلِ عليهم، وقد تقدَّمَ
(١) أخرجه أبو داود (٥١٨٦).
(٢) أخرجه البخاري (٦٢٤٥)، ومسلم (٢١٥٣).
(٣) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (٢٥٨٢٨).