وقولُه تعالى: {أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ} الأصلُ فيه أنَّه رفعٌ معنويٌّ بالذِّكْرِ والعبادةِ، وتنزيهِها عن اللَّغوِ والنَّجَسِ.
وقد تقدَّمَ الكلامُ على عِمَارةِ المساجدِ وتشييدِها وبنائِها عندَ قولِهِ تعالى: {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)} البقرة: ١٢٧.
وقولُه تعالى: {يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ}، يعني: الصلاةَ فيها بُكْرةً وعَشِيًّا، فالتسبيحُ هنا الصلاةُ، وهذا نظيرُ قولِهِ تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} آل عمران: ٤١، ويُشرَعُ في هذا الوقتِ الذِّكرُ والصلاةُ؛ ففيه مع صلاةِ الصبح وصلاةِ العَشيِّ أذكارُ الصباحِ وأذكارُ المساءِ؛ كما قال تعالى: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ وَلَا تَكُنْ مِنَ الْغَافِلِينَ} الأعراف: ٢٠٥.
* * *
* قال تعالى: {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} النور: ٣٧.
ذكَرَ اللَّهُ التجارةَ وعَدَّها مِن العوارضِ التي لا تُلهِي أهلَ الإيمانِ؛ إشارةً إلى أنَّها مِن أكثرِ ما يُلهي غيرَهم؛ وذلك لِما للمالِ مِن فتنةٍ وجاهٍ ومتعةٍ.
تركُ الأسواقِ والبَيْعِ وقتَ الصلاةِ:
قولُه تعالى: {تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ} ذكَرَ اللَّهُ البيع بعدَ ذِكْرِهِ التجارةَ مع أنَّ التجارةَ بيعٌ وشراءٌ فلا يدورُ مالُ التاجرِ إلَّا بهما؛ لأنَّ المقصودَ أهلُ البيعِ، وهم الباعةُ، وأهلُ المَتاجِرِ، وفي ذِكْرِ (البيعِ) في الآيةِ مَقاصِدُ وحِكَمٌ أظهرُها -واللَّهُ أعلَمُ-: