أولا: أن الفتنةَ والشُّغْلَ بالبيعِ أكثَرُ مِن الفتنةِ بالشراءِ؛ فإنَّ ذِهْنَ مَن يبيعُ سِلْعةً ينشغِلُ بها أكثَرَ ممَّن يبحثُ عن سلعةٍ يَشترِيها، والبائعُ يهتمُّ بتدويرِ مالِه، بخلافِ المُشترِي، فغالبًا الناسُ تَشترِي لتستهلِكَ، والبائعُ يبيعُ سلعتَهُ ليشترِيَ مِثلَها ويبيعَهُ ويتكسَّبَ.
ثانيًا: أنَّ المقصودَ بها أهلُ الحوانيتِ والدكاكينِ والمَتاجِرِ، وهؤلاء يَبِيعونَ فيها أكثَرَ مما يَشترونَ، والبائعُ ثابِتٌ والمُشترِي عابرٌ، والتاجِرُ في مَتجَرِهِ يَشغَلُهُ البيعُ أكثَرَ مِن الشراءِ؛ لأنَّه يشترِي الشيءَ الكثيرَ مرةً واحدةً ثمَّ يبيعُهُ مُجَزَّأً، فيَعرِضُونَ سِلَعَهُمْ للناسِ طُولَ اليومِ، وهذا خِطابٌ لهم أنَّهم إن سَمِعوا النداءَ للصلاةِ أنْ يُجيبوا، ولا تَشغَلَهُمْ مَتاجرُهم وأسواقُهم عن الصلاةِ.
ثالثًا: أنَّ البائعَ يتحكَّمُ في السلعةِ والسوقِ أكثَرَ مِن المُشترِي، والبائعُ أقدَرُ على حِرْمانِ المشترِي مِن الانتفاعِ مِن السلعةِ، وهو يتمكَّنُ مِن الاحتكارِ والتسعيرِ والإضرارِ بالسوقِ والناسِ.
رابعًا: أنَّ البائع غالبًا تاجرٌ، وأمَّا المشترِي فكثيرًا ما يكونُ محتاجًا وربَّما فقيرًا؛ فهو يَشترِي لانتَفاعِهِ لنفسِه.
أمْرُ الناسِ وأهلِ الأسواقِ بالصلاةِ:
ويَظهَرُ مِن هذا تعظيمُ قَدْرِ صلاةِ الحماعةِ، وتأكيدُ تركِ الأسواقِ لها، وهذه الآيةُ نزَلَت في تركِ أهلِ الأسواقِ أسواقَهُمْ لأداءِ الصلاةِ، وقد أمَرَ اللَّهُ بالجماعه عندَ التقاءِ الصفينِ في القتالِ؛ فكيف لا يُؤمَرُ بها عندَ التقاءِ المتبايِعَينِ في الأسواقِ؟ !
ولم تكنِ الأسواقُ تُفتَحُ في المدينةِ بعدَ الأذانِ تعظيمًا لهذه الشعيرةِ، فقد روى ابنُ مَرْدَويهِ في "تفسيرِه"، عن عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ -رضي اللَّه عنه-؛ قال: " {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}: كانوا رجالًا يَبتغونَ مِن