قال: "واللَّهِ الذي لا إِلهَ إلَّا هو، إنَّ لَهوَ الحديثِ لَهُوَ الغِناءُ"، ثمَّ ذكَرَها ثلاثًا (١).
وابنُ مسعودٍ هو مِن أعلَمِ الصحابةِ بالتفسيرِ، إنْ لم يكن أعلَمَهُمْ على الإطلاقِ.
الغِناءُ والمَعَازِفُ والفَرْقُ بينَهما:
وقد جاء في الشريعةِ النهيُ في هذا البابِ عن شيئَينِ يَخلِطُ بينَهما كثيرٌ مِن الناسِ: الأول: الغِناءُ، والثاني: المعازفُ، ولا يَلزَمُ اجتماعهما؛ فقد يكونُ الغِناءُ بلا مَعازِفَ، وقد تكون المعازِفُ بلا غِناءٍ، وقد يجتمعانِ.
أمَّا الأولُ: فالغِناءُ، والمرادُ به هو إنشادُ الشِّعْرِ بالصوتِ الحسَنِ المجرَّدِ عن أيِّ مضافٍ إليه من الآلاتِ، وهذا النوعُ نُهِيَ عنه لا لِذَاتِه؛ وإنَّما إنْ كان يتضمَّنُ صدًّا عن ذِكرِ اللَّهِ، كما كانت تتَّخِذُهُ قريشٌ في مَكَّةَ؛ حتى لا تَسْمَعَ كلامَ اللَّهِ وكلامَ النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
ولا يَلزم مِن الغناء أن يكون معه مَعازِفُ، ولكنَّه غلَبَ في استعمالِ الناسِ أنَّ الغِناءَ هو الذي يكونُ معه آلاتُ الطرَبِ، وليس مقصودًا بهذا المعنى عندَ العرَبِ.
ومَن نظَرَ إلى النصوصِ مِن أفعالِ الصحابةِ وكذلك أشعارِ العربِ، وجَدَ أنَّهم يُطلِقونَ الغِناءَ ويُريدونَ به الشِّعْرَ والحُدَاءَ، حتى أشكَلَ ذلك على كثيرٍ مِن المتأخِّرِين، وظَنُّوا أنَّ قولَ السلفِ في الغِنَاءِ إنَّما هو المَعازفُ كما هو اصطلاحُ المتأخِّرِين؛ وهذا جَهْلٌ وسوءُ فَهْمٍ؛ فإنَّ هذا لم يكنْ موجودًا عندَ السلفِ مطلَقًا.
(١) أخرجه الطبري في "تفسيره" (١٨/ ٥٣٤)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (١٠/ ٢٢٣).