فالغِناءُ عندَ العربِ هو صوتُ الفَمِ؛ كما يقولُ حُمَيدُ بنُ ثَوْرٍ:
عَجِبْتُ لَهَا أَنَّى يَكُونُ غِنَاؤُهَا ... فَصِيحًا وَلَمْ تَفْغَرْ بِمَنْطِقِهَا فَمَا (١)
ويَرِدُ عن بعضِ السابِقينَ: أنَّه سَمِعَ الغِنَاءَ، والمرادُ بذلك: هو إنشادُ الشِّعرِ بالصوتِ الحسَنِ، وليس المرادُ الموسيقا والمعازفَ.
والغِناء عندَ السلفِ جاء النهيُ عنه لا لِذَاتِه؛ وإنَّما إنْ صَدَّ عن ذِكْرِ اللَّهِ، ومِثلُه إنشادُ الأشعارِ باللُّحُونِ، وإنْ لم يَصُدَّ جازَ.
وقد قال ابنُ الجوزيِّ: "كان الغِنَاءُ في زمانِهم إنشادَ قصائدِ الزُّهْدِ، إلَّا أنَّهم كانوا يُلحِّنونَها" (٢).
ومِن هذا قولُ بعضِ الفقهاءِ بحَضْرةِ الرشيدِ لابنِ جامعٍ: الغِنَاءُ يُفطِرُ الصائمَ، فقال: ما تقولُ في بيتِ عمرَ بنِ أبي ربيعةَ إذْ أنشَدَ:
أَمِنْ آلِ نُعْمٍ أَنْتَ غَادٍ فَمُبْكِرُ ... غَدَاةَ غَدٍ أَمْ رَائِحٌ فَمُهَجِّرُا
أيُفطِرُ الصائمَ؟
قال: لا؛ قال: إنَّما هو أنْ أَمُدَّ به صوتي، وأُحرِّكَ به رأسي (٣).
ومِن هذا: قولُ عطاءِ بنِ أبي رَبَاحٍ: "لا بأسَ بالغِنَاءِ والحُدَاءِ للمُحْرِمِ" (٤).
وأمَّا الثاني: فالمَعازِفُ، وهي آلاتُ الطرَبِ مِن العُودِ والقَصَبِ، والمِزْمارِ والموسيقا، والآلاتِ الإلكترونيَّةِ الحديثةِ التي تُخرِجُ ما يَخرُجُ مِن المعازفِ، فإنَّها تأخُذُ حُكْمَها؛ لأنَّ الشريعةَ لا تفرِّقُ بينَ المتماثِلاتِ، فإنَّها لم تحرِّمِ الخمرَ لكونِهِ تمرًا أو زَبيبًا أو دُبَّاءً أو غيرَ
(١) ينظر: "لسان العرب" (١٥/ ١٣٩) (غنا)، و"تاج العروس" (٣٩/ ١٩٣) (غني).
(٢) "تلبيس إبليس" (ص ٢٠٣).
(٣) "محاضرات الأدباء" للراغب الأصفهاني (١/ ٨١٦).
(٤) أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (١٣٩٥١).