والثابتُ عن الصحابةِ جوازُ ذلك؛ فقد جاء عن عُمَرَ مِن وجهَيْنِ: الجُمُعةُ لا تَمْنَعُ مِن سَفَرٍ (١).
وهو عنه صحيحٌ.
ومِثلُ هذا الحُكْمِ لا يَخفى على عُمَرَ؛ فهي مسألةٌ ظاهرةٌ يُبتلَى بها ويحتاجُ إليها الناسُ، وما تَعُمُّ به البَلْوَى لا يَخفى على مِثْلِ الخُلَفاء، فعملُهم وقولُهم أصلٌ في هذه الأبوابِ حُكْمًا، وله أثرٌ في إعلالِ ما يُروى مرفوعًا.
ولا يصحُّ في النهي عن السفرِ يوم الجُمُعةِ حديثٌ؛ قبلَ أذانِ صلاةِ الجمعةِ ولا بعدَ الجمعةِ.
وقد رَوى أبو داودَ في "المراسيلِ"، عن الزُّهريِّ أنَّه أراد أن يُسافرَ يومَ الجُمُعة ضَحْوةً، فقيل له في ذلك، فقال: إنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- سافَرَ يومَ الجُمعةِ (٢).
وهذا الذي عليه جمهور العلماءِ.
العَدَدُ الذي تَنعقِدُ به الجُمُعةُ:
ولا يثبُتُ عددٌ محدَّدٌ في أهلِ قريةٍ حتى تجبَ الجُمُعةُ عليهم؛ فكلُّ جماعةٍ في قريةٍ يجبُ عليهم صلاةُ الجُمُعةِ، والأحاديثُ الواردةُ في حدٍّ مُلزِمٍ للوجوبِ لا يصحُّ منها شيءٌ، وقد روى الدارقطنيُّ، وغيرُهُ عن جابرٍ مرفوعًا: (مَضَتِ السُّنَّة: أَنَّ فِي كُلِّ ثَلَاثَةٍ إِمَامًا، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ جُمُعَةً، وَأَضْحَى، وَفِطْرًا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ جَمَاعَةٌ) (٣)، ولا يصحُّ، ورَوى
(١) أخرجه عبد الرزاق في "مصنفه" (٥٥٣٦)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٥١٠٦).
(٢) أخرجه أبو داود في "المراسيل" (٣١٠)، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (٥١١٣).
(٣) أخرجه الدارقطني في "مصنفه" (٣/ ٣)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ١٧٧).