الطبرانيُّ تحديدَها بخَمْسِينَ مِن حديثِ أبي أُمامةَ (١)، ولا يصحُّ، ورَوَى ابنُ عديٍّ تحديدَها بثلاثةٍ مِن حديثِ أمِّ عبدِ اللَّهِ الدَّوْسِيَّةِ (٢)، ولا يصحُّ.
ومَن نظَر في السُّنَّة وتأمَّلَ الأثرَ عن الأصحابِ، وجَد أنَّه لا يصحُّ في تعيينِ عددٍ للجُمُعةِ حديثٌ، ولم يكنِ الصحابةُ يُقيِّدونَها به مع الحاجةِ إلى الحُكْمِ وأهميَّتِهِ لأهلِ القُرَى والأمصارِ؛ فأمرُهُ ممَّا تتعلَّقُ به صحةُ الصلاةِ وفسادُها، ولمَّا لم يَرِدْ مِن وجهٍ قويٍّ، وليس فيه شيءٌ مِن أقوالِ الصحابةِ وبيانِهم وتشديدِهم فيه، دلَّ على نُكْرانِ الواردِ فيه ممَّا حمَله بعضُ الضُّعَفاءِ والمتروكينَ، وتعدُّدُ مَخارجِها لا يُقوِّيها.
وفي البابِ: ما يُعارِضُها مِن السُّنَّة المرفوعةِ؛ وهو حديثُ جابرٍ في خروجِ الصحابةِ للتجارةِ والنبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- يخطُبُ، فبَقِيَ عندَهُ اثنا عشَرَ رجلًا، والحديثُ في "الصحيحَيْنِ" (٣).
وأمَّا ما رواهُ أحمدُ والترمذيُّ، مِن حديثِ عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللَّهِ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ مسعودٍ؛ أنَّه قال: جَمَعَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَنَحْنُ أَرْبَعُونَ، فَكُنْتُ فِي آخِرِ مَنْ أَتَاهُ، قَالَ. "إِنَّكُمْ مَنْصُورُونَ، وَمُصِيبُونَ، وَمَفْتُوحٌ لَكُمْ، فَمَنْ أَدْرَكَ ذَلِكَ، فَلْيَتَّقِ اللَّهَ، وَلْيَأْمُرْ بِالمَعْرُوفِ، وَلْيَنْهَ عنِ المُنْكَرِ، وَمَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) (٤).
فليس صريحًا أنَّ الجَمْعَ لصلاةِ الجُمُعةِ، وليس فيه استحبابُ العددِ ولا اشتراطُه؛ وإنَّما إخبارٌ عنه.
وقد تكلَّم بعضُ الحُفَّاظِ في سماعِ عبدِ الرحمنِ مِن أبيه ابنِ مسعودٍ.
(١) أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" (٧٩٥٢).
(٢) أخرجه ابن عدي في "الكامل" (٢/ ٢٠٤)، والدارقطني في "سننه" (٢/ ٩)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٣/ ١٧٩).
(٣) أخرجه البخاري (٩٣٦)، ومسلم (٨٦٣).
(٤) أخرجه أحمد (١/ ٤٣٦)، والترمذي (٢٢٥٧).